إملاء الكتاب في حال المرض.
وأنت تعلم أن في كتابة ذلك الكتاب راحة قلب النبي وبرد فؤاده وقرة عينه وأمنه على أمته [صلى الله عليه وآله] من الضلال.
على أن الأمر المطاع والإرادة المقدسة مع وجوده الشريف إنما هما له. وقد أراد (بأبي وأمي) إحضار الدواة والبياض وأمر به فليس لأحد أن يرد أمره أو يخالف إرادته (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا).
على أن مخالفتهم لأمره في تلك المهمة العظيمة، ولغوهم ولغطهم واختلافهم عنده كان أثقل عليه وأشق من إملاء ذلك الكتاب الذي يحفظ أمته من الضلال. ومن يشفق عليه من التعب بإملاء كتاب كيف يعارضه ويفاجئه بقول هجر؟!
وقالوا: إن عمر رأى ترك إحضار الدواة والورق أولى مع أمر النبي [صلى الله عليه وآله] بإحضارهما..
وهل كان عمر يرى أن رسول الله [صلى الله عليه وآله] يأمر بالشئ الذي يكون تركه أولى؟!
وأغرب من هذا قولهم: وربما خشي [عمر] أن يكتب النبي [صلى الله عليه وآله] أمورا يعجز عنها الناس، فيستحقون العقوبة بتركها!
وكيف يخشى من ذلك مع قول النبي [الكريم]: " لا تضلوا بعده "؟!
أتراهم يرون عمر أعرف منه [صلى الله عليه وآله] بالعواقب، وأحوط منه وأشفق على أمته؟!
كلا، [أم كان عمر يرى أن النبي صلى الله عليه وآله يكلف الناس فوق طاقتهم ووسعهم (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)].
وقالوا: لعل عمر خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب لكونه في حال المرض، فيصير سببا للفتنة..
وأنت تعلم أن هذا محال مع وجود قوله (ص) " لا تضلوا "، لأنه نص بأن ذلك الكتاب سبب للأمن عليهم من الضلال، فكيف يمكن أن يكون سببا للفتنة بقدح المنافقين؟!