عثمان وسيرة الشيخين في الحكم من الواضح أن الخليفة عثمان قد حاد عن سيرة الشيخين والتي عقدت له الخلافة على أساس تعهده بالعمل بها، وذلك بإعطائه لأقاربه المناصب الكبرى، وبإغداقه عليهم الأموال من بيت مال المسلمين، وبخصهم بامتيازات أخرى اعترض الناس عليها. ويضرب المودودي مثالا " لفداحة ما صنعه عثمان في هذا الأمر: (ولنأخذ وضع مروان بن الحكم مثالا ": فقد أسلم أبوه الحكم بن العاص عم سيدنا عثمان (رض) في فتح مكة، ثم قدم المدينة واستقر بها، ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخرجه منها - بعد أن بدت منه بعض الأمور - وأمره بالإقامة في الطائف. وقد ذكر ابن عبد البر في الإستيعاب أن من أسباب ذلك أن الحكم بن العاص كان يفشي المشاورات التي كانت تتم سرا " بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأكابر الصحابة والتي كان يسمعها بطريقة أو بأخرى وثاني الأسباب أنه كان يقلد الرسول حتى رآه ذات مرة وهو يفعل ذلك. وعلى أي حال، فلا بد أنه ارتكب ذنبا " كبيرا " أصدر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على أساسه أمرا " بإخراجه من المدينة، وكان مروان وقتئذ في الثامنة من عمره فسكن الطائف مع أبيه، ولما تولى الخلافة كل من أبي بكر وعمر كان يلتمس في كل مرة منهما السماح بالعودة إلى المدينة ورفضا. ولما تولى عثمان (رض) الخلافة أعاده المدينة... فكان صعبا " على الناس أن يصدقوا أن ابن هذا الشخص الذي أخطأ في حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكون أهلا " لأن يصبح معاون الخليفة من دون أكابر الصحابة (رضوان الله عليهم)، خاصة إذا كان الوالد المذنب على قيد الحياة وله قدر من النفوذ على أمور الدولة عن طريق ابنه) (1). وبقي الحكم بن العاص حيا " حتى آخر عهد عثمان وتوفي سنة 32 هجرية.
(٩٩)