الرأيين الأول والثاني. فقوله أن أهل السنة تعني من اعتقد بخلافة الخلفاء الثلاثة الأوائل ينسجم مع ما نسب إلى معاوية في الرأي الثاني. فمعاوية لم يكن يعمل فقط على ترسيخ فكرة أفضلية الثلاثة الأوائل وإثبات أحقيتهم بالخلافة، وإنما قام بمحاربة الخليفة الرابع وعمل بكل ما أوتي من سلطات على التقليل من فضائل أهل البيت عليه السلام ورفع غيرهم من الصحابة، وتجاوز ذلك إلى حد أمره لخطباء المسلمين بسب الإمام علي عليه السلام على المنابر واعتبار ذلك سنة.
وأما قول ابن تيمية أن أهل السنة يراد بها أهل الحديث والسنة المحضة، فإنه ينسجم مع الرأي الأول والذي أعطى فيه لقب أهل السنة لمعتنقي العقائد والمعارف التي استخرجها ودونها رجال الحديث.
وبناء على ما سبق فإن نشوء فرقة أهل السنة ينظر إليها من ناحيتين: الأولى متعلقة بالخلافة ببعدها السياسي البحت، والثانية متعلقة بالعقائد والأحكام.
فأما من الناحية السياسية، فقد وقع بشأنها أول خلاف بين المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في سقيفة بني ساعدة عندما تنازع الإمارة المهاجرون والأنصار، وقاطع علي عليه السلام ومن معه من الهاشميين وبعض الصحابة نزاعهم ومن ثم اتفاقهم لأنهم كانوا يرون أن عليا " كان أحق بالخلافة ممن تنازعوا عليها، وبقوا على رفضهم لمبايعة أبي بكر لستة شهور (1).
وهكذا يمكن اعتبار أن ولادة فرقة أهل السنة كانت في السقيفة وإن لم يظهر من معالمها المميزة آنذاك سوى الخط السياسي، حيث كان يعرف الأتباع من تأييدهم لخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، ثم نما وترعرع هذا الخط في عهد الأمويين بحيث كانت تظهر السلطة الحاكمة كممثل ومدافع عن خلافة الثلاثة، وناقمة بل ومقطعة لرؤوس الموالين لعلي وأهل البيت والقائلين بأفضليتهم.