وصفهم أحد الكتاب المعاصرين بقوله: (.. فإذا سمعت منهم [الصحابة] فكأنك تسمعه من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
وعلى كل حال، فإن ذكرنا لمخالفات الصحابة لا يعني إنكار تضحيات الكثير من أجلائهم في مجال الجهاد، وفي سبيل العقيدة، ولكن هذه الأنوار كما يوضح الشهيد السيد / محمد باقر الصدر لم تكن نتيجة وضع معمق تعيشه الأمة في أبعادها الفكرية والنفسية، بل كانت نتيجة طاقة حرارية هائلة اكتسبتها هذه الأمة بإشعاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان طبيعيا " أن تصبح طاقة الأمة بعده في تناقص مستمر، حال الشخص الذي يتزود من الطاقة الحرارية للشمس والنار، ثم يبتعد عنهما، فإن هذه الحرارة تتناقص عنده باستمرار، بخلاف الوعي الذي يستأصل جذور ما قبله، ومن طبيعته الثبات والاستقرار بل التعمق على مر الزمن (2).
وعلى كل، فمهما كان نوع هذا المحرك، الوعي أو الحماس والعاطفة، فقد استحق من أحسن عملا " من الصحابة الثناء من الله جل وعلا بقوله: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا " ذلك الفوز العظيم) [التوبة / 100]، وبقوله تعالى: (لقد رضى الله المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) [الفتح / 18].
وينبغي الإشارة هنا على كل حال أن هاتين الآيتين وأمثالهما لا تضمنان الجنة لكل من هاجر وناصر أو بايع تحت الشجرة ما لم يكن ذلك مقرونا " بعدم الأحداث والتبديل، ومشروطا " بحسن الخاتمة، والدليل على ذلك قوله تعالى:
(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا " عظيما ") [الفتح / 10]