ويمكن القول إنه - بسبب هذه المآخذ - لم يسر أحد إلى آخر الشوط في دراسة مقارنة الأديان متبعا الطريق الأول.
وقد بدأت دراستي في مقارنة الأديان حوالي منتصف هذا القرن، فوجدتها دراسة شاقة، كثيرة المراجع، متشعبة الاتجاهات، ولو أخذنا الإسلام مثالا لكلامنا، واستعرضنا ما كتب عنه لهالنا الموقف، لقد كتب عنه اليهود والمسيحيون والمسلمون، وتختلف وجهات النظر اختلافا كبيرا بين هذه الطوائف، بل إن ما كتبه المسيحيون يختلف من كاتب إلى كاتب، أما ما كتبه اليهود أو أكثره فهو سلسلة من الأكاذيب والاتهامات والعدوان.
وسرت في مقارنة الأديان على الرغم من هذه الصعوبات واتخذت الصبر وسيلتي، ورحت في بحث علمي لم تتدخل العاطفة فيه، أقرأ، وأستوعب، وأناقش، وأقارن، وأخطط، وأعرض، حتى استطعت بعد اثنتي عشرة سنة من الكدح والعمل الدائب، أن أخرج الجزء الثاني عن (المسيحية) فالجزء الثالث عن (الإسلام) (1) فالجزء الرابع عن (أديان الهند الكبرى: الهندوسية، والجينية، والبوذية) (2) وتأخر إخراج الجزء الأول عن (اليهودية) إلى الآن (أخريات سنة 1965) وكان عجيبا أن ينشر الجزء الثاني والثالث والرابع قبل الأول، ولكن النظرة الفاحصة تدرك مدى الصعوبة التي يلاقيها باحث منصف عن اليهودية، فاليهود كتبوا عن دينهم وتاريخهم أعدادا ضخمة من المراجع والكتب، صوروا فيها تاريخهم بأنه تاريخ البشرية، وحضارتهم بأنها منبع الحضارات، وعقيدتهم بأنها أسمى العقائد، وهاجموا