يهودية أخرى توارت حينا، وبرزت حينا، ثم أعلنت عن نفسها تماما في العهد الحاضر، إذ أصبح زعيم البهائية أحد حاخامات اليهود كما سنرى.
ولنعد إلى القصة من أولها في بلاد فارس ولد الميرزا علي محمد الشيرازي حوالي سنة 1824 من أسرة مسلمة، وشب الميرزا ونال ألوانا من الدراسات الإسلامية، وكان يمتاز بالجمال والذكاء والطموح والفصاحة، وحج الميرزا وزار الأضرحة التي يقدسها الشيعة بالعراق، ولما عاد لوحظ عليه أنه أصبح يغالي في تدينه وتعصبه، ورآه رجلان أغلب الظن أنهما من دم يهودي أو يعملان لحساب الفكر اليهودي، فأوهماه أنه سيكون له شأن، وأدخلا في روعه أنه سيصبح منقذ الإنسانية من الضلال وقائد ركب المتدينين، فاستهوت هذه العبارة الميرزا، فسر الرجلان بهذه الخطوة من النجاح، وراحا يقدمان له بطريق مباشر أو غير مباشر أفكارا جديدة سرعان ما اعتنقها وراح يدعو لها، وأبرز ما في هذه الأفكار كان القول بوحدة الوجود، فأصبح الميرزا يعتقد (أن الله واحد أي ليس له شريك في القوة والقدرة، وقد خلق الكون، ولكن هذا الكون ليس شيئا آخر غير الله، بل هو مظهر ذاته، والأنبياء في الكون مظهر أكمل لله، دائم الاتصال بالأصل الذي نشأ منه، ويروى البابية، عن الله قوله (الحق يا مخلوقاتي أنك أنا) فإذا قامت القيامة رجع الخلق إلى الله وفنوا في وحدته التي صدروا عنها، فيتلاشى إذ ذاك كل شئ إلا الطبيعة الإلهية، وتبعا لذلك أنكر الميرزا البعث والجنة والنار مما يؤكد ارتباط أفكاره بالفكر اليهودي، وحشد أفكاره هذه في كتاب أسماه (البيان) وادعى أنه المقصود بقوله تعالى (خلق الإنسان علمه البيان) (1).
ولم يكن هذا الاتجاه من الميرزا غريبا على الفرس، فقد قال