أسرار الدول والجماعات ليستغلوا هذه الأسرار في خدمة مصالحهم، وفي إيقاف تطور أعدائهم أو تدمير هذا التطور، فقد عرفت المسيحية منذ عهدها المبكر، تجسس اليهود على قادتها وعلى أفكارها وكان من بين الحواريين من عمل جاسوسا لحساب اليهود، فقد ذكرت الأناجيل الأربعة أن يهوذا الإسخريوطي عمل جاسوسا لليهود وساومهم على تسليم عيسى نظير ثلاثين من الفضة، ولما قبضها قاد جماعة من اليهود للقبض على عيسى حيث كان مختفيا، وقد جاء في إنجيل متى عن ذلك ما يلي: حينئذ ذهب واحد من الاثني عشر الذي يدعى يهوذا الإسخريوطي إلى رؤساء الكهنة وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم، فجعلوا له ثلاثين من الفضة، ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه (1)... وبعد مدة اصطحب جمعا معهم سيوف وعصى من قبل رؤساء الكهنة، وسار إلى حيث كان يختبئ عيسى واتفق مع هؤلاء على علامة يعرفون بها عيسى قائلا الذي أقبله هو هو أمسكوه، وتقدم يهوذا نحو يسوع وقال السلام يا سيدي وقبله. حينئذ تقدم اليهود وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه (2).
وفي مطلع الإسلام اتخذ اليهود التجسس وسيلتهم لينالوا من الإسلام، فقد ادعى بعض اليهود دخول الإسلام ولكنهم كانوا في حقيقة الأمر منافقين، ومن هؤلاء داعس وسعد بن حنيف وزيد بن اللصيت ورافع بن حريملة وغيرهم، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام عن رافع يوم مات (اليوم مات منافق عظيم) وكان هؤلاء يتخذون المسجد وحلقات العلم مجلسا لهم ليتسقطوا أخبار المسلمين وليطلعوا على تنظيماتهم، لينقلوا ذلك إلى اليهود وإلى حلفائهم المشركين، ولكن المسلمين شكوا في تهجدهم وفي افتعالهم التقوى، فراقبوهم حتى ظهر منهم ما ينقل هذا الشك إلى اليقين، فانقض المسلمون عليهم وأخرجوهم من المساجد معلنين للملأ نفاقهم (3).