جاءوا لئلا يقول الناس " ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى " (1).
جاءوا ليدعوا الناس إلى تحويل اهتمامهم من اللذائذ الفانية إلى الرغائب السامية، من عبادة المادة إلى التمتع بالروحانيات، ليضعوا بذلك الأسس لمجتمعات صالحة فيها تعاون وإيثار.
جاءوا على العموم لتحقيق خير الناس في دنياهم وآخرتهم، على أن يحملوا للناس ما تحتمله عقول الناس من إرشادات.
ومن الواضح أنه ليس من وظائف الرسل ما هو من عمل المدرسين ومعلمي الصناعات، فليس مما جاءوا له تعليم التاريخ، ولا تفصيل ما يحويه عالم الكواكب، ولا بيان ما اختلف من حركاتها، ولا ما استكن من طبقات الأرض، ولا مقادير الطول فيها والعرض، ولا ما تحتاج إليه النباتات في نموها، ولا ما تفتقر إليه الحيوانات في بقاء أشخاصها وأنواعها، وغير ذلك مما وضعت له العلوم وتسابقت في الوصول إلى دقائقه الفهوم، فإن ذلك كله من وسائل الكسب والبحث، هدى الله إليه البشر بما أودع فيهم من الادراك والعقول، وكل دخل الأديان في ذلك هو حراسة العقول حتى لا تشط أو تزل، فتحدث بأبحاثها ريبا في الاعتقاد بالأساس العام لهذا الكون، وهو تقدير إله واحد خالق له، متصف بكل صفات الكمال، وإذا كان قد ورد في كل الأنبياء بعض إشارات للكون وأحوال الأفلاك، فالمقصود توجيه النظر إلى حكمة المبدع وقدرة الصانع، أما التفاصيل العلمية للكون والأفلاك فأبحاث يطلبها من استطاع من مجالاتها العلمية.