تعالى بنا نبحث الموضوع بشئ من الانطلاق لنحق الحق، والذي أراه أن هناك أمورا مسلما بها هي:
1 - يلزم الاجماع على عصمة الأنبياء في التبليغ، وقد سبق الحديث عن ذلك.
2 - يلزم الاجماع على أنهم بعد الرسالة لا يرتكبون الكبائر قط ولا الصغائر عمدا، قال تعالى " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا " (1)، والأئمة والهداة لا يمكن أن يعملوا الكبائر أو يتعمدوا الصغائر.
3 - يلزم الاجماع على أنهم قبل البعثة نخبة مصطفاة من أحسن معاصريهم سيرة وخلقا، قال تعالى: " الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس (2) " والآية واضحة في أن الرسل صفوة الخلق وخيارهم، وقوله تعالى " الله أعلم حيث يجعل رسالته (3) " مما يدل على أن الرسالة يختار لها خير رجال العصر وقد هتف قوم صالح به يقولون فيما رواه القرآن الكريم: " يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا " (4) مما يدل على سمو مكانة الأنبياء بين ذويهم قبل بعثتهم.
4 - يلزم أن نتذكر حقيقة هامة يقررها القول الشائع " حسنات الأبرار سيئات المقربين "، فإذا قلنا ببشرية الأنبياء وجواز الخطأ عليهم في غير ما تلزم العصمة فيه، فليس معنى هذا أن الأنبياء يخطئون كما تخطئ نحن، فمن الواضح أن العالم لا يرتكب الخطأ الذي يقع فيه الجاهل، فكذلك لا يمكن أن يتساوى الأنبياء مع بقية البشر في نوع الخطيئة، أي أنهم إن أخطئوا فزلات بسيطة وهفوات يسيرة لأنهم بطبيعة الحال أكثر دقة وهداية ورعاية من الله.