وحياة الإنسان قصيرة، ويقضي شطر كبير منها بين ضعف الطفولة وجهلها، فليس لدى الإنسان فرصة كافية للتجارب والمحاولات والخطأ والصواب.
وجمهور الناس يحبون اللذة المادية، ويهملون لذة أدوم وأعمق وهي اللذة الروحية، فطبيعة الإنسان أن يسعد بالطعام اللذيذ، والفراش الوثير، والمرح والحبور، أكثر من سعادته بالوفاء، وعون الضعيف، وكلمة الحق لنصرة المظلوم.
ومن طبيعة الإنسان كذلك حبه لنفسه، وتقديمه الأقربين إليه على الأبعدين عنه، وفي ظل هذه الأنانية لا يستقيم المجتمع الإنساني ولا يسير قدما إلى النجاح.
لهذه الأشياء وسواها من نظائرها جاء الرسل: جاءوا ليرشدوا العقل إلى الخير والشر، ولوصف النعيم الذي ينتظر للطيع، والعقاب الذي سينزل بالعاصي.
جاءوا ليرشدوا العقل إلى معرفة الله وما يجب أن يعرف من صفاته، وليبينوا كذلك أن ذات الله ليست موضع بحث ولا يصل إليها عرفان.
جاءوا ليعلموا الناس من أنباء الغيب من أذن الله لعبادة في العلم به كالملائكة والجن وأحوال الآخرة، مما لو صعب على العقل اكتناهه لم يشق عليه الاعتراف به.
جاءوا ليبلغوا الناس أوامر الله ونهيه، ووعده ووعيده، وليشرحوا لهم ما فرضه الله عليهم من عبادات وما قرره من وسائل للمعاملات.
جاءوا " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " (1).