ولكنها أعلى مستوى، ويجئ القرآن معجزة لمحمد، وهو في أعلى درجات البلاغة، أو قل في درجة من البلاغة لا يعرفها مستوى البشر.
وتتناسب المعجزات مع طبيعة الرسالة، فالرسالات التي سبقت الإسلام كانت لأقوام معينين، كما كانت مؤقتة، ولذلك جاءت المعجزات من جنس ما اشتهر عند هذه الأقوام، كما كانت المعجزة نفسها مؤقتة، فهي تحدث مرة أو عدة مرات، ويكفي أن يراها المرسل إليهم ليعترفوا بالرسل إذا كان الله قد كتب لهم الهداية. أما الإسلام وهو دين عام ودائم، فقد جاء معجزته مناسبة لهذا الوضع أي جاءت عامة ودائمة، فالقرآن الكريم لا يزال بأسلوبه ومعانيه معجزا، ولا يزال متجددا يقيم الدليل كل يوم على صحة رسالة محمد، وقد سمعته الأجيال الأولى فدهشت له، من آمن منهم ومن لم يؤمن، حتى كان قادة المشركين يتسللون ليلا خفية ليتسمعوا لمحمد وهو يتلو القرآن (1)، وسمعته بعد ذلك أجيال وأجيال، ونسمعه حتى اليوم ونقرؤه، فيخر البلغاء له ساجدين، ويعترفون بأنه نسيج وحده، وأن له نسقا لا يطاول ولا يدانى (2).
وبالإضافة إلى القرآن الكريم، هناك أيضا تلك النظم الخالدة التي أشرنا إليها عند حديثنا عن " دعوة في الميزان " وقد انبثقت هذه النظم من القرآن الكريم، ومن الحديث الصحيح، فكيف لمحمد الأمي أن يضع في حقبة قصيرة من الزمن ألوانا من التشريعات عبرت القرون والأقطار وهي حية نامية