ويحدد النسفي (1) ذنوب الأنبياء بقوله: إن ذنوبهم ترك الأفضل دون مباشرة القبيح، وذنوبنا مباشرة القبائح.
فإذا قارنا هذه المبادئ ببشرية الرسل التي تحدثنا عنها آنفا، جاز لنا أن نثبت أن الرسول عندما يتحدث أو يعمل كرسول، أي مبلغا أو داعيا أو معلما فهو معصوم، أما إذا كان يتحدث أو يعمل من عند نفسه في الأمور العامة التي ليست جزءا من الرسالة، فهو بشر، يمكن أن يخطئ ويغلب أن يصيب، وقد وضح الرسول ذلك بقوله في الحديث الذي رواه رافع بن خديج:
إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشئ من أمر دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر " وفي الحديث الذي رواه البخاري: " أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون " (2) وكان المسلمون في الصدر الأول للإسلام يفرقون بين محمد النبي ومحمد الإنسان، ويتضح ذلك من المثال الذي أشرنا إليه آنفا والذي حدث في غزوة بدر، فإن الرسول اختار مكانا ليهيئ فيه جنده للقتال، فسأله أحد قادة المسلمين سؤالا واضحا هو: هو هذا الاختيار وحي من الله أو اجتهاد من عندك؟ وأجاب الرسول: بل اجتهاد من عندي. فقال الرجل: إذا كان الأمر كذلك فهناك مكان أصلح من هذا. ودرس الرسول رأي الرجل وانتقل إلى المكان الذي أشار به (3).
وقد سبق أن ذكرنا (4) الآيات التي فيها عتاب للرسول على بعض تصرفات