ولقد مد في أمدها، عاضا على نواجذه إلى أن حضره الموت وأيس منها، فكان منه ما رأيتما، فاكتما ما قلت لكما عن الناس كافة، وعن بني هاشم خاصة، وليكن منكما بحيث أمرتكما، قوما إذا شئتما على بركة الله.
فقمنا ونحن نعجب من قوله، فوالله ما أفشينا سره حتى هلك (1).
ويذكر أن عمر قد قال لعبد الله بن عباس: أن قومكم (قريشا) لم يرضوا أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة وقال ابن عباس: حرفوها عنا حسدا وبغيا وظلما (2). وهنا وصف عمر قريشا بأن حسدها يساوي تسعة أعشار وتسعة أعشار العشر، وفي الناس كلهم عشر العشر، وبأن أبا بكر أحسد قريش كلها؟!
وهذه قمة صراحة عمر في وصفه أبا بكر. وطبقا لرأي عمر يكون أبو بكر على رأس المخالفين لاجتماع الخلافة والنبوة في بني هاشم، وهدد عمر أبا بكر من الإيغال في العداء قائلا: لتكفن أو لأقولن كلمة بالغة بي وبك في الناس؟! تحملها الركبان حيث ساروا، وإن شئت استدمنا ما نحن فيه عفوا.
ورغم صراحة عمر مع رفيقيه إلا أنه لم يخبرهما بها فما، عساها أن تكون من كلمة خطيرة تحملها الركبان؟! ولخطورة تلك الكلمة خافها أبو بكر واختار طريق الموادعة، على طريق العداء فقال: وإنها لصائرة إليك (أي الخلافة) بعد أيام.
وهذه الجملة لم يقلها أبو بكر إلا لعلاقتها بالكلمة الخطيرة التي هدده بها عمر أبا بكر، أي أنها جواب لتهديد عمر.
وبعد ما قال عمر عن بيعة أبي بكر أنها فلتة، قال الشاعر محمد بن هاني المغربي:
ولكن أمرا كان أبرم بينهم * وإن قال قوم فلتة غير مبرم