إليها، وأحب أن يبلوني بإطماعي فيها، والتعريض لي بها، وقد علم وعلمت لو قبلت ما عرضه علي لم يجب الناس إلى ذلك، فألفاني قائما على إخمصي مستوفزا حذرا لو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلي ذلك، واختبأها ضغنا علي في قلبه ولم آمن غائلته ولو بعد حين، مع ما بدا لي من كراهة الناس لي، أما سمعت نداءهم من كل ناحية عند عرضها علي: لا نريد سواك يا أبا بكر، أنت لها فرددتها إليه عند ذلك، فلقد رأيته التمع وجهه لذلك سرورا، ولقد عاتبني مرة على كلام بلغه عني، وذلك لما قدم عليه بالأشعث أسيرا فمن عليه وأطلقه وزوجه أخته أم فروة، فقلت للأشعث وهو قاعد بين يديه: يا عدو الله أكفرت بعد إسلامك، وارتددت ناكصا على عقبيك؟ فنظر إلي نظرا علمت أنه يريد أن يكلمني بكلام في نفسه، ثم لقيني بعد ذلك في سكك المدينة فقال لي: أنت صاحب الكلام يا ابن الخطاب؟
فقلت: نعم يا عدو الله، ولك عندي شر من ذلك. فقال: بئس الجزاء هذا لي منك.
قلت: وعلام تريد مني حسن الجزاء؟
قال (الأشعث): لأنفتي لك من اتباع هذا الرجل، والله ما جرأني على الخلاف عليه إلا تقدمه عليك، وتخلفك عنها، ولو كنت صاحبها لما رأيت مني خلافا عليك. قلت: لقد كان ذلك فما تأمر الآن؟
قال (الأشعث): إنه ليس بوقت أمر، بل وقت صبر، ومضى ومضيت.
ولقي الأشعث الزبرقان بن بدر فذكر له ما جرى بيني وبينه، فنقل ذلك إلى أبي بكر، فأرسل إلي بعتاب مؤلم، فأرسلت إليه: أما والله لتكفن أو لأقولن كلمة بالغة بي وبك في الناس، تحملها الركبان حيث ساروا، وإن شئت استدمنا ما نحن فيه عفوا.
فقال: بل نستديمه، وإنها لصائرة إليك بعد أيام، فظننت أنه لا يأتي عليه جمعة حتى يردها علي فتغافل، والله ما ذكرني بعد ذلك حرفا حتى هلك.