فإنا لفي طريقنا إذ ذكرنا تولي عمر وقيامه بما هو فيه، وحياطته على الإسلام، ونهوضه بما قبله من ذلك، ثم خرجنا إلى ذكر أبي بكر، فقلت للمغيرة: يا لك الخير! لقد كان أبو بكر مسددا في عمر، لكأنه ينظر إلى قيامه من بعده، وجده واجتهاده، وغنائه في الإسلام.
فقال المغيرة: لقد كان ذلك، وإن كان قوم كرهوا ولاية عمر ليزووها عنه، وما كان لهم في ذلك حظ.
فقلت له: لا أبا لك! ومن القوم الذين كرهوا ذلك لعمر؟
فقال المغيرة: لله أنت كأنك لا تعرف هذا الحي من قريش وما خصوا به من الحسد! فوالله لو كان هذا الحسد يدرك بحساب لكان لقريش تسعة أعشاره، وللناس كلهم عشر.
فقلت: مه يا مغيرة! فإن قريشا بانت بفضلها على الناس. فلم نزل في مثل ذلك حتى انتهينا إلى رحل عمر، فلم نجده، فسألنا عنه فقيل: قد خرج آنفا، فمضينا نقفوا أثره، حتى دخلنا المسجد، فإذا عمر يطوف بالبيت، فطفنا معه، فلما فرغ دخل بيني وبين المغيرة، فتوكأ على المغيرة.
وقال: من أين جئتما؟
فقلنا: خرجنا نريدك يا أمير المؤمنين، فأتينا رحلك فقيل لنا: خرج إلى المسجد فاتبعناك.
فقال: أتبعكما الخير، ثم نظر المغيرة إلي وتبسم.
فرمقه عمر فقال: مم تبسمت أيها العبد!
فقال: من حديث كنت أنا وأبو موسى فيه آنفا في طريقنا إليك.
قال: وما ذاك الحديث؟ فقصصنا عليه الخبر، حتى بلغنا ذكر حسد قريش، وذكر من أراد صرف أبي بكر عن استخلاف عمر.
فتنفس الصعداء، ثم قال: ثكلتك أمك يا مغيرة! وما تسعة أعشار الحسد!