ويتضح ذلك بالمثال التالي: إذا كان عندنا مادة قانونية وكان لها تفسير بالظاهر الحقيقي وتفسير آخر بالمجاز، وامتنع شخص عن تفسيرها، فقال أنا متوقف وأفوض معناها إلى مدون القانون، فهل تجرؤ أنت أن تقول له: ما دمت توقفت عن تفسيرها فأنت تفسرها بالظاهر مثلي قطعا؟
بالطبع لا تجرؤ على ذلك، لأنه سيقول لك: يا أخي أنا متوقف، يعني ممتنع عن كل تفسير، فكيف تلصق بي تفسيرها بالظاهر؟!
ولكن الذهبي يجرؤ ويقول (فعلم قطعا أن قراءتها وإقرارها على ما جاءت هو الحق، لا تفسير لها غير ذلك!) يعني غير الظاهر الحسي!
ثم قال (فنؤمن بذلك ونسكت اقتداء بالسلف) يعني نؤمن بحملها على الظاهر المادي ثم نسكت عن لوازم المذهب اقتداء بالمفوضة!!
وقد راجعت كلمات قدماء علماء السنة فوجدتها كلها تقول (أقروها كما وردت، أمروها كما هي، إقرؤوها كما وردت، أجروها على ما وردت اسكتوا عنها) وكلها بمعنى لا تفسروها وفوضوا معناها إلى الله تعالى ورسوله، ولم أجد أحدا منهم قال إحملوها على ظاهرها، فمن أين جاء المجسمة بمقولة (وإجراء الظواهر على مواردها) وألصقوها بالسلف المفوضين؟!
على أنه لا يبعد أن يكون تعبير إمرارها بالميم تصحيفا لإقرارها بالقاف، فالإقرار يستعمل للثابت والإمرار للمتحرك، ولم ألحظ التعبير بالإمرار عن النصوص في كلام القدماء ولا المتأخرين في غير هذا الموضع، لأنه ليس فصيحا إلا لشئ له حركة مرور تطلب عدم إيقافها، كقولك عن الغنم المارة: أمرها، بمعنى أتركها تمر ولا تتعرض لها، أما الساكن كالنص فتقول (أقره) بالقاف.. وهذه نماذج من كلمات قدماء السلف: