أما بيان أن كل متحيز فهو متناه فللدلائل الدالة على تناهي الأبعاد، وأما أن كل متناه ممكن فلأن كل مقدار فإنه يمكن فرض كونه أزيد منه قدرا وأنقص منه قدرا.
والعلم بثبوت هذا الإمكان ضروري، فيثبت أن كل متحيز ممكن، ويثبت أن واجب الوجود ليس بممكن، ينتج فلا شئ من المتحيزات بواجب الوجود، وينعكس فلا شئ من واجب الوجود بمتحيز.
الحجة الرابعة: لو كان متحيزا لكان مساويا لسائر المتحيزات في كونه متحيزا. وإما أن يخالفها بعد ذلك في شئ من المقومات وأما ألا يكون كذلك، وعلى التقدير الأول يكون المتحيز جنسا تحته أنواع، وعلى التقدير الثاني يكون نوعا تحته أشخاص.
ونقول: الأول باطل وإلا لكان واجب الوجود مركبا من الجنس وهو المتحيز ومن الفصل وهو المقوم الذي به يمتاز عن غيره، وكل مركب ممكن، فواجب الوجود لذاته ممكن الوجود لذاته. هذا خلف. والثاني أيضا باطل، وهو أن يكون المتحيز نوعا تحته أشخاص، وذلك لأن المفهوم من المتحيز قدر مشترك بين كل الأشخاص وتعين كل واحد منها غير مشترك بينه وبين الأشخاص، فتعين كل واحد منها زائد على طبيعته النوعية، والمقتضي لذلك التعين المعين إن كان هو تلك الماهية أو شئ من لوازمها وجب أن يكون ذلك النوع مخصوصا بذلك الشخص، لكنا فرضناه مشتركا فيه بين الأشخاص. هذا خلف.
وإن كان أمرا منفصلا فكل شخص من أشخاص الجسم المتحيز إنما يتعين بسبب منفصل فلا يكون واجب الوجود لذاته. فثبت: أن كل جسم فهو ممكن لذاته، وما لا يكون ممكن الوجود لذاته امتنع أن يكون جسما.