وتوقف عمر من خشية وراحت دفعته شعاعا، وتوقف خلفه - أمام الباب - صحبه الذين جاء بهم، إذ رأوا حيالهم صورة الرسول تطالعهم من خلال وجه حبيبته الزهراء، وغضوا الأبصار من خزي أومن استحياء، ثم ولت عنهم عزمات القلوب وهم يشهدون فاطمة تتحرك كالخيال، وئيدا، وئيدا بخطوات المحزونة الثكلى، فتقترب من ناحية قبر أبيها... وشخصت منهم الأنظار وأرهفت الأسماع إليها، وهي ترفع صوتها الرقيق الحزين النبرات تهتف بمحمد الثاوي بقربها، تناديه باكية مريرة البكاء:
«أبت يا رسول الله!... أبت يا رسول الله!...».
فكأنما زلزلت الأرض تحت هذا الجمع الباغي من رهبة النداء...
وراحت الزهراء، وهي تستقبل المثوى الطاهر، تستنجد بهذا الغائب الحاضر:
«يا أبت يا رسول الله!... ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة».؟!
فما تركت كلماتها إلا قلوبا صدعها الحزن، وعيونا جرت دمعا، ورجالا ودوا لو استطاعوا أن يشقوا مواطئ أقدامهم ليذهبوا في طوايا الثرى مغيبين. (1) ويقول في مناسبة أخرى:
... ثم من بني هاشم الذين سلبوا حقهم في تراث الرسول، وود حقد قومهم لو تخطفتهم المصارع، ووطأتهم الأقدام وهم نثائر وأشلاء!... من خلال كل هذه السنين السوالف تشق أحداثه أطباق الزمن إلى الخواطر، كالقبس في الظلمة، كألسنة النار التي أوشكت أن تندلع حول البيت تهم بحصده وتدميره، كالصرخة المدوية التي أطلقتها حينذاك فاطمة تجأر فيها بشكواها إلى رسول الله!...
ولم يكن محمد، وهم يعدون هذه العدوة على دار زهرائه، قد عزب ذكره من الأذهان. قبره ندي بدمعهم.. جسمه رطيب كأنما لم تفارقه كل الحياة...
شبحه حاضر يملأ عليهم الفضاء كالشذا العاطر، يغب الطيب وهو ماثل لا