وتلك الفرق التي كثرت الأبحاث حولها: المعتزلة والجهمية وتاريخهما، لأن أفكارهما تقع على طرفي نقيض بالنسبة إلى الفرق الأخرى، المعتزلة، وإن ينضوي تحت اسمها كثير من الفرق مثل: الغيلانية، والعمرية، والواصلية، والهذيلية، والنظامية، والثمامية، و و... (1) إلا أنهم لا يستندون في مناظراتهم إلى الأخبار والآثار، بل إنهم في كثير من المباحث يستدلون بالآراء، وبإقامة المناظرات، ويؤثرون بذلك في النقاش على الخصم.
إنما المهم في البحث هو الشكل السياسي الخفي، والمستتر وراء هذه الحركات، فعندما تشعب الناس وتفرقوا ظهرت القدرية ومن بعدهم المعتزلة في آخر زمن الصحابة - على أحد الأقوال - بالبصرة عند ما درس فيها الحسن البصري المتوفى 110 ه.
ويعد واصل بن عطاء المتوفى 131 ه المعلم الأول للمعتزلة، وكان هو وعمرو بن عبيد من تلامذة الحسن البصري، فلما اعتزلا حلقته سموا: معتزلة.
وذهب البعض إلى أن المعتزلة في الأصل كانوا امتدادا للمعتزلة السياسيين الذين اعتزلوا الحرب بين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومعاوية في حزب الشام، وقد اعتمد في ذلك على رواية المسعودي في «المروج»، وأبي الفداء في «تاريخه»، والدينوري في «الأخبار الطوال»، والطبري في «تاريخه»، النوبختي أيضا يقول برواية مماثلة في اعتزال هؤلاء السياسيين (2).
وأما المعتزلة أنفسهم فإنهم يرون التسمية بهذا الاسم قد انطلقت من فم أحدهم، وهو قتادة بن دعامة السدوسي، ففي ذلك يقول القاضي عبد الجبار: «إن السبب في التسمية بهذا الاسم هو اعتزال عمرو بن عبيد لحلقة الحسن البصري، لوحشة لحقته