وإذ بلغ الكلام إلى هذا فلا يخلو من فائدة بيان آراء أهل العلم في ذلك:
قال ابن عبد البر في «التمهيد»: «وقد أجمع علماء المسلمين في كل عصر، وبكل مصر - فيما بلغنا وصح عندنا - أن عصير العنب، إذا رمي بالزبد وهدأ، وأسكر الكثير منه أو القليل، أنه خمر، وأنه ما دام على حاله تلك حرام، كالميتة والدم ولحم الخنزير، رجس نجس كالبول. إلا ما روي عن ربيعة في نقط من الخمر، شيء لم أر لذكره وجها، لأنه خلاف إجماعهم. وقد جاء عنه في مثل رؤوس الأبر من نقط البول نحو ذلك.
والذي عليه عامة العلماء في خمر العنب: ما ذكرت لك عنهم من تحريم قليلها وكثيرها، وأنها عندهم رجس كسائر النجاسات، إلا أن تحريمها عندهم لعلة الشدة والإسكار، وليس لذلك تحريم الميتة...
واختلف العلماء في سائر الأنبذة المسكرة: فقال العراقيون: إنما الحرام منها السكر، وهو فعل الشارب. وأما النبيذ في نفسه فليس بحرام ولا نجس، لأن الخمر العنب لا غيره، بدليل قول الله عزو جل: ﴿إني أراني أعصر خمرا﴾ (1)، يعني: عنبا». (2) ويناقش في ذلك ابن عبد البر فيقول: «ليس في هذا دليل على أن الخمر ما عصر من العنب لا غير، لما قدمنا ذكره من أن الخمر المعروفة عند العرب ما خمر العقل وخامره، وذلك اسم جامع للمسكر من عصير العنب وغيره». (3) وروى في ذلك عن عمر أنه قال: «الخمر من خمسة، من: التمر، والزبيب، والعسل، والحنطة، والشعير. والخمر ما خمرته». (4) «ولما اختلف العلماء فيما تقدم ذكرنا له من مسكر الأنبذة، وجب الرجوع عند تنازعهم في ذلك إلى ما ورد به الكتاب، أو قام دليله منه، أو ثبتت به سنة عن النبي (صلى الله عليه وسلم)،