وقد ذكرنا ما يوجبه إطلاق اسم الخمر، وما يعرفه أهل اللسان من اشتقاقها.
وأما السنة: فالآثار الثابتة كلها في هذا الباب تقضي على صحة قول أهل الحجاز، وقد روى أهل العراق - فيما ذهبوا إليه - آثارا لا يصح شيء منها عند أهل العلم بالحديث». (1) وقال أيضا: «والآثار في تحريم ما أسكر كثيرة جدا يطول الكتاب بذكرها، وقد ذكرها جماعة من العلماء، منهم: ابن المبارك وغيره، وقال أحمد بن شعيب في كتابه: إن أول من أحل المسكر من الأنبذة إبراهيم النخعي، وهذه زلة من عالم، وقد حذرنا من زلة العالم، ولا حجة في قول أحد مع السنة!
وقد زعمت طائفة: أن أبا جعفر الطحاوي - وكان إمام أهل زمانه - ذهب إلى إباحة الشرب من المسكر ما لم يسكر. وهذا - لو صح عنه - لم يحتج به على من ذكرنا قولهم من الأئمة المتبعين في تحريم المسكر ما ثبت من السنة...». (2) فما قاله ابن عبد البر عبارة عن نظرية أهل الحديث جاء ردا على نظرية أهل الرأي في تحريم أقسام النبيذ.
فالخلاف في المسألة بين المحدثين وأهل الرأي نشأ من المنازعات المتداولة بين البلدتين: الحجاز والعراق، واستعمال كل منهما العناوين الخاصة عند الإطلاق، وتسمية الأشياء على ما عليه العرف وأهل المحاورة.
كما روى المحدثون خطبة أبي موسى الأشعري في قوله: «ألا إن خمر أهل المدينة البسر والتمر، وخمر أهل فارس العنب، وخمر أهل اليمن البتع - وهو العسل - وخمر أهل الحبشة الأسكركة، وهو الأرز». (3) ويظهر من كلمات أهل العراق وأهل الرأي: أن الخمر عندهم المتخذ من العنب،