تأتي أهمية دراسة الحركة الفكرية في عصر البخاري انطلاقا من تبلور وظهور الصحاح الستة، ولأنه شهد استكمال حركة تدوين السنة النبوية التي بدأت في العصر الأموي واستمرت في خطها المرسوم الذي استبعد أخبار وروايات أهل البيت (عليهم السلام).
وعلى هذا، يكون البخاري الذي ولد في سنة 194 ه حسب ما ثبت في تاريخ ولادته، معاصرا للمأمون العباسي الذي كانت خلافته بين سنة 198 - 218 ه فيكون أول سماعه للحديث قد وقع في سنة خمس ومائتين (1).
ولا شبهة في أن عصره يعد من أهم العصور في تاريخ الحديث ومن أنشطها في تدوين وتبويب السنة التي بدأت حركتها في عهد الأمويين، ولذلك فإن كل من ينشد الحقائق تزداد رغبته في تحقيق ما انعقد بأيدي هؤلاء في تأليف الجوامع الحديثية من المسانيد والصحاح.
فحينما سيطر الجور، وانقطع الأمر عمن هو صالح للخلافة والإمامة، وانتشرت البدع والضلالات في البلاد الاسلامية، ثم تولى الخلافة الرشيد العباسي في سنة 170 ه وتظاهر سياسيا ومنع الكلام والجدال في امور الدين والشدة على مخالفيه بشكل خاص، مع ما جعل على نفسه من إكرام العلماء وإعظامهم والتواضع لمن يجالسه، حتى انه إذا جلس معاوية بن الضرير إلى طعامه قام بنفسه من موضعه وصب الماء على يده تعظيما لقدر العلماء، فقال له معاوية: يا أمير المؤمنين إن تواضعك من