الأسرار الفاطمية - الشيخ محمد فاضل المسعودي - الصفحة ٤٧٨
المشركين (1)، ضاربا ثبجهم (2)، آخذا بأكظامهم، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة (3)، يكسر الأصنام وينكت الهام (4) حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه (5) وأسفر الحق عن محضه (6)، ونطق زعيم الدين (7)، وخرست شقاشق الشياطين (8)، وطاح وشيظ النفاق (9)، وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص (10) في نفر من البيض الخماص (11)، وكنتم على شفا
(١) المدرجة: المذهب والمسلك. وفي الكشف: " ناكبا عن سنن مدرجة المشركين " وفي رواية ابن أبي طاهر " مائلا على مدرجة " أي قائما للرد عليهم، وهو تصحيف.
(٢) الثبج بالتحريك: وسط الشئ ومعظمه، والكظم بالتحريك: مخرج النفس من الحلق، أي كان صلى الله عليه وآله لا يبالي بكثرة المشركين واجتماعهم ولا يداريهم في الدعوة.
(٣) كما أمره سبحانه: " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ". وقيل: المراد بالحكمة: البراهين القاطعة، وهي للخواص وبالموعظة الحسنة،: الخطابات المقنعة والعبر النافعة، وهي للعوام، وبالمجادلة التي هي أحسن: إلزام المعاندين والجاحدين بالمقدمات المشهورة والمسلمة، وأما المغالطات والشعريات فلا يناسب درجة أصحاب النبوات.
(4) النكت: إلقاء الرجل على رأسه، ويقال: طعنه فنكته. والهام جمع الهامة، بالتخفيف فيهما، وهي الرأس والمراد قتل رؤساء المشركين، وقمعهم وإذلالهم، أو المشركين مطلقا وقيل: أريد به إلقاء الأصنام على رؤوسها، ولا يخفى بعده لا سيما بالنظر إلى ما بعده. وفي بعض النسخ: " ينكس الهام " وفي الكشف وغيره: " يجذ الأصنام " ومن قولهم: جذذت الشئ: كسرته. ومنه قوله تعالى:
" فجعلهم جذاذا ".
(5) الواو مكان حتى كما في رواية ابن أبي طاهر أظهر: و " تفرى الليل " أي انشق حتى ظهر ضوء الصباح.
(6) يقال: " أسفر الصبح " أي أضاء.
(7) زعيم القوم: سيدهم والمتكلم عنهم. والزعيم أيضا الكفيل. والإضافة لامية، ويحتمل البيانية.
(8) خرس بكسر الراء. والشقاشق جمع شقشقة بالكسر، وهي شئ كالرية يخرجها البعير من فيه إذا هاج. وإذا قالوا للخطيب: ذو شقشقة فإنما يشبه بالفحل. وإسناد الخرس إلى الشقاشق مجازي.
(9) يقال: طاح فلان يطوح، إذا هلك أو أشرف على الهلاك وتاه في الأرض وسقط. والوشيظ بالمعجمتين: الرذل والسفلة من الناس، ومنه قولهم: إياكم والوشايظ. وقال الجوهري: " الوشيظ:
لفيف من الناس " ليس " أصلهم واحد " ا " أو بنو فلان وشيظة في قومهم أي هم حشو فيهم.
والوسيط بالمهملتين: أشرف القوم نسبا وأرفعهم محلا: وكذا في بعض النسخ وهو أيضا مناسب.
(10) يقال: فاه فلان بالكلام - كقال - أي لفظ به، كتفوه. وكلمة الإخلاص كلمة التوحيد. وفيه تعريض بأنه لم يكن إيمانهم عن قلوبهم.
(11) البيض: جمع أبيض وهو من الناس خلاف الأسود. والخماص بالكسر: جمع خميص، والخماصة تطلق على دقة البطن خلقة وعلى خلوه من الطعام، يقال: فلان خميص البطن من أموال الناس، أي عفيف عنها. وفي الحديث: " كالطير تغدو خماصا، وتروح بطانا ". والمراد بالبيض الخماص إما أهل البيت عليهم السلام ويؤيده ما في كشف الغمة: " في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا "، ووصفهم بالبيض لبياض وجوههم، أو هو من قبيل وصف الرجل بالأغر، وبالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم وقلة الأكل ولعفتهم عن أكل أموال الناس بالباطل. أو المراد بهم من آمن من العجم كسلمان - رضي الله عنه - وغيره، ويقال لأهل فارس: بيض، لغلبة البياض على ألوانهم وأموالهم، إذا الغالب في أموالهم الفضة، كما يقال لأهل الشام: حمر، لحمرة ألوانهم وغلبة الذهب في أموالهم، والأول أظهر. ويمكن اعتبار نوع تخصيص في المخاطبين فيكون المراد بهم غير الراسخين الكاملين في الإيمان، وبالبيض الخماص الكمل منهم.