وروى سفيان بن عيينة، عن عمرو عن الحسن بن محمد: أن فاطمة (عليها السلام) دفنت ليلا وروى عبد الله بن أبي شيبة، عن يحيى بن سعيد العطار، عن معمر، عن الزهري: مثل ذلك، وقال البلاذري في تاريخه: إن فاطمة (عليها السلام) لم تر مبتسمة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها، والأمر في هذا أوضح وأظهر من أن يطنب في الاستشهاد عليه، وبذكر الروايات فيه، فأما قوله ولا يصح، أنها دفنت ليلا، وإن صح فقد دفن فلان وفلان ليلا فقد بينا أن دفنها ليلا في الصحة كالشمس الطالعة، وأن منكر ذلك كدافع المشاهدات ولم نجعل دفنها ليلا بمجرد، وهو الحجة.
فيقال: فقد دفن فلان وفلان ليلا بل مع الاحتجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالمتواتر أنها (عليها السلام) أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلي عليها الرجلان، وصرحت بذلك وعهدت فيه عهدا بعد أن كانا أستاذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما فلما طال عليهما المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، في أن يستأذن لهما وجعلاها حاجة إليه فكلما أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك وألح عليها فأذنت لهما في الدخول ثم أعرضت عنهما عند دخولهما ولم تكلمهما، فلما خرجا قالت لأمير المؤمنين (عليه السلام): قد صنعت ما أردت، قال: نعم، قالت: فهل أنت صانع ما آمرك؟ قال: نعم، قالت: فإني أنشدك الله لا يصليا على جنازتي، ولا يقوما على قبري. وروي أنه (عليه السلام) عمى على قبرها، ورش أربعين قبرا في البقيع ولم يرش على قبرها حتى لا يهتديا إليه، وأنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها وإحضارهما للصلاة عليها، فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا، ولو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه وتأخر عنه، لم يكن فيه حجة، انتهى كلامه رفع الله مقامه.
ومما يدل من صحاح أخبارهم على دفنها ليلا، وأن أبا بكر لم يصل عليها، وعلى غضبها عليه وهجرتها إياه:
ما رواه مسلم في " صحيحة " وأورده في " جامع الأصول " في الباب الثاني من كتاب الخلافة والإمارة من حرف الخاء عن عائشة - في حديث طويل - بعد ذكر مطالبة فاطمة (عليها السلام) أبا بكر في ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفدك وسهمه من خيبر، قالت:
فهجرته فاطمة (عليها السلام)، فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها علي (عليه السلام) ولم يؤذن بها