الأسرار الفاطمية - الشيخ محمد فاضل المسعودي - الصفحة ٤٧١
والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة (1)، فجلست، ثم أنت أنه أجهش القوم (2) لها بالبكاء. فارتج المجلس (3) ثم أمهلت هنية (4) حتى إذا سكن نشيج القوم (5)، وهدأت فورتهم (6)، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت (عليها السلام):
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها (7)، وسبوغ آلاء أسداها (8)، وتمام منن والاها (9)، جم عن الإحصاء عددها (10)، ونأى عن الجزاء أمدها (11)، وتفاوت عن الإدراك أبدها (12)، وندبهم

(١) الملاءة، بالضم والمد: الريطة والأزار. ونيطت بمعنى علقت، أي ضربوا بينها (عليها السلام) وبين القوم سترا وحجابا. والريطة، بالفتح: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين، أو هي كل ثوب لين رقيق. والقبطية، بالكسر: ثياب بيض رقاق من كتان تتخذ بمصر، وقد يضم لأنهم يغيرون في النسبة.
(٢) الجهش أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو مع ذلك يريد البكاء كالصبي يفزع إلى أمه وقد يتهيأ للبكاء، يقال: جهش إليه - كمنع - وأجهش.
(٣) الارتجاج: الاضطراب.
(٤) أي صبرت زمانا قليلا.
(٥) النشيج: صوت معه توجع وبكاء كما يردد الصبي بكاءه في صدره.
(٦) هدأت - كمنعت - أي سكنت. وفورة الشئ: شدته، وفار القدر أي جاشت.
(٧) أي بنعم أعطاها العباد قبل أن يستحقوها. ويحتمل أن يكون المراد بالقديم الإيجاد والفعل من غير ملاحظة معنى الابتداء فيكون تأسيسا.
(٨) السبوغ: الكمال. والآلاء: النعماء، جمع إلى، بالفتح والقصر وقد يكسر الهمزة. وأسدى وأولى وأعطى بمعنى واحد.
(٩) والاها، أي تابعها بإعطاء نعمة بعد أخرى بلا فصل.
(١٠) جم الشئ أي كثر. والجم: الكثير، والتعدية بعن لتضمين معنى التعدي والتجاوز.
(١١) الأمد بالتحريك: الغاية " و " المنتهي، أي بعد عن الجزاء بالشكر غايتها. فالمراد بالأمد إما الأمد المفروض إذ لا أمد لها على الحقيقة، أو الأمد الحقيقي لكل حد من حدودها المفروضة. ويحتمل أن يكون المراد بأمدها ابتداؤها، وقد مر في كثير من الخطب بهذا المعنى. وقال في النهاية: " في حديث الحجاج قال للحسن: ما أمدك؟ قال: سنتان من خلافة عمر. أراد أنه ولد لسنتين من خلافته. وللإنسان أمدان: مولده وموته " انتهى. وإذا حمل عليه يكون أبلغ. ويحتمل على بعد أن يقرأ بكسر الميم، قال الفيروزآبادي: " الآمد: المملو من خير وشر، والسفينة المشحونة ".
(12) التفاوت: البعد. والأبد: الدهر، والدايم، والقديم الأزلي. وبعده عن الإدراك لعدم الانتهاء.
(٤٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 476 ... » »»
الفهرست