السادسة: ما دلت عليه الروايات السالفة وما سيأتي في باب شهادة فاطمة (عليها السلام)، من أنها أوصت أن تدفن سرا، وأن لا يصلي عليها أبو بكر وعمر لغضبها عليهما في منع فدك وغيره من أعظم الطعون عليهما، وأجاب عنه قاضي القضاة في " المغني ": بأنه قد روي أن أبا بكر هو الذي صلى على فاطمة (عليها السلام) وكبر أربعا، وهذا أحد ما استدل به كثير من الفقهاء في التكبير على الميت ولا يصح أنها دفنت ليلا، وإن صح ذلك فقد دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلا وعمر دفن ليلا، وقد كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدفنون بالنهار ويدفنون بالليل، فما في هذا ما يطعن به بل الأقرب في النساء أن دفنهن ليلا أستر وأولى بالسنة.
ورد عليه السيد الأجل في الثاني: بأن ما ادعيت من أن أبا بكر هو الذي صلى على فاطمة (عليها السلام) وكبر أربعا، وإن كثيرا من الفقهاء يستدلون به في التكبير على الميت فهو شئ ما سمع إلا منك وإن كنت تلقيته عن غيرك فممن يجري مجراك في العصبية وإلا فالروايات المشهورة وكتب الآثار والسير خالية من ذلك، ولم يختلف أهل النقل في أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صلى على فاطمة (عليها السلام) إلا رواية شاذة نادرة وردت بأن العباس صلى عليها.
روى الواقدي: بإسناده، عن عكرمة، قال: سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة (عليها السلام)؟
قال: دفناها بليل بعد هدأة. قال: قلت: فمن صلى عليها؟ قال: علي (عليه السلام).
وروى الطبرسي، عن الحرث بن أبي أسامة، عن المدايني، عن أبي زكريا العجلاني أن فاطمة (عليها السلام) عمل لها نعش قبل وفاتها فنظرت وقالت: سترتموني ستركم الله. قال أبو جعفر محمد بن جرير: والثبت في ذلك أنها زينب، لأن فاطمة (عليها السلام) دفنت ليلا ولم يحضرها إلا العباس وعلي (عليه السلام)، والمقداد والزبير.
وروى القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه: عن الزهري، قال: حدثني عروة بن الزبير: أن عائشة أخبرته: أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي (عليه السلام) ليلا وصلى عليها علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وذكر في كتابه هذا أن أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهما السلام دفنوها ليلا وغيبوا قبرها.