وسيدا في العجم، سيدا في الدنيا والآخرة.
وقد نشأ علي زين العابدين في بيت جدته فاطمة الزهراء، ونال من رعاية جده الإمام علي له، وعطفه عليه، وتعلقه واهتمامه به نصيبا كبيرا، فقد كان كرم الله وجهه حريصا على أن يرى سلسلة نسبه متصلة ونسله مستمرا. ولهذا لم يكن يسمح لبنيه بخوض المعارك الضارية للقتال، وقال لأصحابه: املكوا عني هذا الغلام لا يهدني فإني أنفس معه.
وفي معركة صفين لم يسمح الإمام علي لابنه الحسين بالاندفاع به نحو الموت لئلا ينقطع نسل الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولم يكد يبلغ سيدي علي زين العابدين، الرابعة من عمره، حتى تعهده أبوه الحسين وعمه الحسن، يحفظانه من القرآن الكريم والحديث الشريف. ما يستطيع أن ينطق به لسان ابن الرابعة، ولما توفي عمه، استمر أبوه يحفظه القرآن حتى أتم حفظه في سن مبكرة فقد كان علي زين العابدين سريع الحفظ قوي الحافظة. وقد أضاف إلى القرآن والحديث، علوم الفقه والدين برعاية خلاصة بيت النبوة، حتى ضرب بعلمه وفقهه المثل. فقد قال عنه علي بن سعيد: إنه أفضل هاشمي فقها وورعا.
ولما بلغ السابعة عشرة من عمره، تزوج من فاطمة بنت عمه الحسن بن علي بن أبي طالب. وهي التي أنجبت له من الذكورة السادة: زيد والحسن والحسين الأصغر و عبد الرحمن وسليمان وعلي ومحمد الباقر و عبد الله الباهر، ومن الإناث السيدات:
خديجة وفاطمة وعلية وأم كلثوم.
ومما يذكره التاريخ عن علي زين العابدين أنه لما حج هشام بن عبد الملك أيام أبيه وطاف بالبيت العتيق، تعذر عليه أن يلمس الحجر الأسود أو يصل إليه لكثرة الناس حوله فوضع له كرسي ليعتليه حتى يصل إلى الحجر، وجعل ينظر إلى الناس لعل أحدهم يعرفه ويفسح له الطريق، لكن الناس تغاضت عنه كأنهم لا يعرفونه، رغم أنه كان معه من أعيان أهل الشام الكثير.