عارضته ونهيتكم أن تسبوه فعصيتموني. والله ما قام حتى أظلم علي البيت. قوموا عني فلقد فضحكم الله وأخزاكم بترككم الحزم وعدولكم عن رأي الناصح المشفق، والله المستعان ا ه.
ثم قال الفاضل المذكور:
هذه محاورة من أعجب ما قرأناه من المحاورات انتصر فيها الحسن انتصارا مبينا على زعماء بني أمية فتركهم لا يدرون ما ذا يقولون، تركهم باهتين حائرين مخذولين.
وقد دل الحسن برده عليهم أنه خطيب مفوه لا يتلجلج ولا يتلعثم ولا يخشى في الحق لومة لائم. ولا يرهب التهديد والوعيد. ولا يبالي بسطوة الحاكم، بل إن رده عليهم بهذه القوة، أعظم برهان على حدة ذهنه وحضور بديهته وقوة عارضته وشجاعته الفائقة. إن من يتكلم بهذا الكلام أمام معاوية، لا يرمى بالجبن والكسل، وحب الدعة كما ادعت دائرة المعارف الإسلامية في ترجمة الحسن، ولا يقال عنه إنه ترك الخلافة لمعاوية حبا في الدعة ولإقباله على الشهوات. تلك تهم اعتدنا أن نقرأها في الصحف التي لوثتها جماعة من المستشرقين الذين دأبوا على الطعن في أبطال المسلمين تشويها لفضائلهم وحطا من مقامهم في عيون من يعظمونهم ويحترمونهم.
إن بني أمية كانت تحقد على علي وأبنائه وقد أعماهم البغض فصاروا يسبونهم في كل مناسبة. فإن أعوزتهم الظروف والمناسبات احتالوا عليها.
اجتمع هؤلاء النفر عند معاوية، فأرادوا أن يتفكهوا بالطعن على الحسن فاستحضروه ليسبوه ويهددوه مع أنه سالمهم وسلم الأمر لمعاوية تجنبا لإراقة الدماء واعتكف بالمدينة تاركا لهم الأمر يفعلون ما يشاؤون.
ومع هذا لم يخلص من ألسنتهم ومعاكستهم. وكان عمرو بن العاص يحرض معاوية على التحكك به، ومعاوية ينهاه، علما منه بقوة عارضة الحسن.
فلما حضر، أخذ عمرو يعيب عليا رضي الله عنه وصرح أنهم دعوه ليسبوه ويسبوا