واعلم أن هذا الخبر قد اشتمل على كثير من أهوال البرزخ، بعضها مما قامت عليه الضرورة وبعضها ما اعتضدته أخبار معتبرة، وبعضها مما انفرد به، ولو استقصينا الكلام فيه لخرج الكتاب عن وضعه غير أنا نشير إجمالا إلى بعض فوائده:
قوله: أيها الناطق - الخ.
الفوت هو الموت، وفي الخبر: (أتخوف عليك الفوت، قلت: وما الفوت؟ قال: الموت) (1)، وربما يجعل الأول أعم وإن للإنسان قبل خروج روحه من بدنه وهو الموت، حالة برزخية بينه وبين الحياة يشرف فيها على أوضاع الآخرة ويشاهد مقاماتها وما أعد فيها له أو عليه، وتنقطع حواسه وتختل مشاعره عن إدراك المدركات المحسوسة، وفي هذا الخبر دلالة واضحة عليه، ولكن يظهر من بعض الأخبار الاستعاذة من تلك الحالة.
وفي نهج البلاغة في دعائه عليه السلام: (اللهم اجعل نفسي أول كريمة تنتزعها من كرائمي) (2)، فإن انتزاع النفس قبل جميع الكرائم التي هي القوى والأعضاء التي أكرم الله بها عباده يستلزم بقائها سليما من الآفات إلى حين الممات، ومثله ما في دعاء ليلة الجمعة: (اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارثين مني) (3).
فالفوت هو فوات فوائد الدنيا ولذائذها وألمها عليه، ولا يتمكن الإنسان في زمانه استدراك ما قصر فيه، وفي قوله: (والاستعداد للموت قبل حلول الفوت) تصريح بتقدمه عليه، ولعلها هي الحالة التي أشار إليها أمير المؤمنين عليه السلام في قوله - كما في النهج -: (ثم ازداد الموت فيهم ولوجا (4)، فحيل بين أحدهم وبين منطقه، وإنه لبين أهله ينظر ببصره، ويسمع بأذنه، على صحة من عقله، وبقاء من لبه، يفكر فيم أفنى عمره، وفيم أذهب دهره،