أهل القبلة فيترحمون عليه، ويقبلون إليه، وقد روي عن أئمتنا (عليهم السلام): " خير المجالس ما استقبل به القبلة " (1).
ثم إذا وجبت رعاية الجسد وتوجيهه إلى القبلة باعتبار ما كان فيه من الأرواح المسلمة، وتعلق النفس المؤمنة، فرعايته والأرواح باقية والتعلق حاصل بالفعل واجبة بطريق أولى، فإن المؤمن محترم حيا وميتا، بل احترامه حيا أولى من احترامه ميتا، وهو ظاهر، إلى غير ذلك من وجوه الأولوية.
والظاهر أن القوم حملوا قوله (عليه السلام): " إذا مات لأحدكم ميت " على المجاز المشارفة، بقرينة ما رواه الصدوق (رحمه الله) في الفقيه عن سيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: " دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق، وقد وجه لغير القبلة، فقال: وجهوه إلى القبلة، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة، وأقبل الله عز وجل بوجهه، فلم يزل كذلك حتى يقبض " (2) وهو كما ترى يؤيد ما ذكرناه.
هذا غاية توجيه كلام جده (قدس سرهما) وهو بعد غير حاسم لمادة المناقشة الثانية، وإنما قال: " وهو منظور فيه " ولم يقل: " وفيه نظر " لأن أصل هذا النظر لشيخه الفاضل الأردبيلي (رحمه الله)، فإنه قال في شرحه على الإرشاد بعد قول مصنفه العلامة:
" ويجب عند الاحتضار توجيهه إلى القبلة بأن يلقى على ظهره بحيث لو جلس كان مستقبلا ": دليل وجوب الاستقبال غير ظاهر، إذ دليله السالم من جهة الدلالة والسند على ما قاله في الشرح حسنة سليمان بن خالد، ولا يخفى ضعف دلالته، إذ ظاهره في الميت لا في المحتضر، وأنه يكون حين الغسل على ساجة، وأنه في بيان الآداب التي هي أعم من الواجب والمستحب كما يفهم من قوله " وكذلك إذا غسل يحفر ". والسند أيضا ليس بصحيح وإن قال في المنتهى بالصحة، لوجود إبراهيم وسليمان، وإن قيل بتوثيقه إلا أن فيه شيئا، ولعل الصحة باعتبار وجودها في زيادات التهذيب عن ابن أبي عمير، وكون الطريق إليه صحيحا، وعدم