وبالجملة: أنهم (عليهم السلام) لا يوصفون في شئ من أحوالهم بنقص ولا جهل من أول عمرهم إلى آخره. وأما ما سبق من كونهم بشرا مخلوقين فلا بد فيهم من اللوازم البشرية ما هو مشترك بين جميع الأفراد، إذ مقتضى الطبيعة النوعية لا تختلف ولا تتخلف فلا ينافي ذلك، لأن ظهور مراتب الكمال وصدورها عن الواجب المتعال في أفراد العالم والأمثال شدة وضعفا يكون بحسب استعداداتهم قبولا وشأنا، وليس بمستبعد أن يستعد فرد أو أفراد منها لاستجماع جميع الصفات الكمالية اللائقة بهذا النوع من غير أن يكون ذلك بطريق الاكتساب أو التعلم من فرد آخر من نوعه، بل بمجرد أن يستفيده من المبادئ العالية لغاية المناسبة ونهاية المجانسة بينهما فيتلقى منه المعارف.
وقد نقلوا عن أرسطا طاليس ما معناه: خاطبني جوهر من الأنوار العالية بكثير من الحقائق والمعارف، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا طباعك التام. وقد تقرر عندهم أن النفس قد تعود عقلا مستفادا إذا كانت في غاية القوة ونهاية الشرف، فتحصل لها علوم جمة دفعة من غير حاجة إلى تعلم أو فكر بل بمجرد الحدس.
قال ابن سينا في إشاراته بعد الفرق بين الفكرة والحدس في مقام إمكان وجود القوة القدسية: ألست تعلم أن للحدس وجودا، وأن للإنسان فيه مراتب وفي الفكرة، فمنهم غبي لا تعود عليه الفكرة برادة، ومنهم من له فطانة إلى حد ما يستمع بالفكر، ومنهم من هو أثقف من ذلك وله إصابة في المعقولات بالحدس، وتلك الثقافة غير متشابهة في الجميع بل ربما قلت وربما كثرت، وكما أنك تجد في جانب النقصان منتهيا إلى عديم الحدس فأيقن أن الجانب الذي يلي الزيادة يمكن انتهاؤه إلى غني في أكثر أحواله إلى التعلم والفكرة.
وقال الفاضل العارف كمال الدين بن ميثم البحراني في شرح نهج البلاغة عند قوله (عليه السلام): " درجات متفاضلات " (1): إعلم أن ألذ ثمار الجنة هي المعارف الإلهية،