فهذا الحديث لو ثبت وصح لوجب حمله على المجاز الذي هو من باب استعمال الشئ في مقابل ضده، ومثل * (ومكروا ومكر الله) * (1) وإن كان المكر مستحيلا من الله تعالى، ولا استبعاد فيه، فإن كراهة المؤمن الموت تقتضي ترجيح عدمه كرامة له عند الله، ومقتضى حكمته تعالى وهو الموت وعدم الخلود لأحد غيره تعالى، كما قال: * (كل نفس ذائقة الموت) * (2) تقتضي ترجيح موته، فلهذين السببين سمي ترددا.
ويمكن أن يكون ذلك لملك الموت وأعوانه من الملائكة، أسند إليه تعالى مجازا كما في قوله: * (فلما آسفونا انتقمنا منهم) * (3) فإن كونه مأمورا بقبض روحه يقتضي ترجيحه، وكون المؤمن كارها له يقتضي ترجيح عدمه.
ومنهم من أوله إلى أن أفعال النفوس الفلكية وإرادتها لما كانت مستهلكة في فعله تعالى وإرادته، وكانت تلك النفوس غير محيطة بتفاصيل الحوادث الاستقبالية دفعة واحدة بل إنما تنتقش فيها شيئا بعد شئ مع أسبابها، فإذا كانت الأسباب لوقوع أمر ولا وقوعه متكافأة ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد كان لها التردد في وقوعه ولا وقوعه، جاز وصفه تعالى بالتردد لذلك.
وهو - مع بعده، وابتنائه على قواعد الفلاسفة، ومخالفته لكثير من الأخبار - مخالف لما انعقد عليه إجماع المسلمين من ارتفاع الحياة عن الفلك وما اشتمل عليه من الكواكب، فإنها مسخرات مدبرات لا خلاف فيه بينهم، كما نقله السيد وكفى به ناقلا في الغرر والدرر (4).
فإن قلت: هل كراهة الموت مذمومة؟ فإنه سبب اللقاء كما قال الله تعالى:
* (من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت) * (5) فينبغي أن يكون للمؤمن محبوب