قطعة من الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما، وقدس عليه عيسى تقديسا، واتخذ عليه إبراهيم خليلا، واتخذ عليه محمدا حبيبا، وجعله للنبين مسكنا، فوالله ما سكن فيه بعد أبويه آدم ونوح أكرم من أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإذا زرت جانب النجف فزر عظام آدم وبدن نوح وجسم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإنك زائر لآباء الأولين ومحمد خاتم النبيين وعلي سيد الوصيين، وإن زائره تفتح له أبواب السماء عند دعوته، فلا تكن عند الخير نواما " (1).
وفيه عن أبي بصير " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أين دفن أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟ قال: دفن في قبر أبيه نوح، قلت: وأين قبر نوح والناس يقولون: إنه في المسجد؟
قال: لا، ذاك في ظهر الكوفة " (2) هذا؟
ولا يذهب عليك أن ما ذكره من مساواتهما (عليهما السلام) وقت نزول الآية كما هو مقتضى دليله هذا ينافيه ما روي عنه (عليه السلام): أن النبي (صلى الله عليه وآله) علمه عند وفاته ألف باب، فتح له من كل باب ألف باب (3)، إذ المتعلم لا يكون مساويا لمعلمه، ضرورة تقدمه عليه تقدما بالشرف، مع ما في تساويهما وقتئذ من ترجيح أحد المتساويين على الآخر على تقدير كون أحدهما رعية والآخر إماما له، وإلا يلزم: إما القول بالتشريك أو عدم كونه حجة عليه، وهو ينافي عموم رسالته وكونه رحمة للعالمين، ومبعوثا على الأسود والأبيض.
ثم إن هنا إشكالا آخر أقوى منه، وهو أنه (عليه السلام) عاش بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بضعا وثلاثين سنة، ولا شك أنة ازداد في هذه المدة الطويلة علما وفضلا وكمالا جسمانيا وروحانيا استحق به الثواب، وإلا لكان مغبونا في هذه المدة، بل كل من ساوى يوماه فهو مغبون، وكيف لم يزدد بعده (صلى الله عليه وآله) فضلا وثوابا وغزواته مع القاسطين والناكثين والمارقين مشهورة، ومجاهداته في الله وعباداته في الكتب مسطورة؟