فظهر بهذا التقرير أن كونهم (عليهم السلام) قبل الوصول إلى مرتبة الإمامة متعلمين بعضهم من بعض ومن غيرهم أيضا مما لا مانع للقول به أصلا، لا عقلا ولا نقلا.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذه المسألة ولكنها بعد محل تأمل وتوقف، لأن نفوسهم قدسية وعلومهم لدنية فلا حاجة لهم من بدو فطرتهم إلى آخر عمرهم إلى معلم من غيرهم، ولو فرض وقوع ذلك منهم ورجوعهم إلى معلم من غيرهم حال الصبا وغيرها فليحمل ذلك على ضرب من مصلحة شاءوا وأرادوا، فإنهم حين كانوا مشائم أرحام أمهاتهم كانوا علماء حلماء أبرارا أتقياء قانتين لله ولرسوله، كما يدل عليه الخبر المتفق عليه بين الأمة، ولم يحضرني الآن ألفاظه ولكن حاصله: أن سيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام) حين ما كان في مشيمة رحم أمه فاطمة، كلما حضر النبي (صلى الله عليه وآله) قامت من مجلسها من دون اختيار منها، فلما سئلت عنه قالت: إن هذا الجنين يحركني حركة يلجئني إلى القيام إليه (1).
وهذه المعنى صرح أكثر علماء العامة في تسميته (عليه السلام) بكرم الله وجهه، وليس هذا أمرا مختصا بهم (عليهم السلام) بل كانت سيدة نساء العالمين وبضعة سيد المرسلين ومشكاة أنوار أئمة الدين وزوجة أشرف الوصيين البتول العذراء والإنسية الحوراء فاطمة الزهراء صلوات الله عليها أيضا كذلك، لما رواه مفضل بن عمر " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف كان ولادة فاطمة (عليها السلام)، فقال: نعم، إن خديجة لما تزوج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها وغمها حذرا عليه، فلما حملت بفاطمة (عليها السلام) كانت فاطمة تحدثها من بطنها وتصبرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما فسمع خديجة تحدث فاطمة (عليها السلام)، فقال لها: يا خديجة من تحدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني " والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (2).