وصقلت علمه معلم الأولين والآخرين ألف باب فتح له من كل باب ألف باب، ولا استبعاد فيه، إذ قد تقرر في فن الحكمة أن النفس إذا صفت وصقلت واتصلت بالمبدئ المفيض اتصالا ما، يمكن أن يحصل لها علوم جمة دفعة، فإذا كان بين المفيض والمستفيض مجانسة ومناسبة ثم حصل بينهما ارتباط فعلا وصفة يمكن أن يفيض على أحدهما جملة ما حصل للآخر دفعة، كمرآة صقيلة متسعة حوذي ما فيها صور كثيرة فينطبع فيها جميع تلك الصور. هذا ما يمكن أن يقال من جهة العقل.
وأما النقل فقد دل نبذ من الأخبار على تعلمهم وكونهم في زمن الصبا مع الصبيان في الكتاب.
فمنه: ما رواه ملا عناية الله القهپائي (رحمه الله) في كتابه المسمى بمجمع الرجال عن محمد بن مسلم " قال: قال لي أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): إن لأبي مناقب لا هن من آبائي (1)، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنك تدرك محمد بن علي فاقرأه مني السلام، قال (عليه السلام): فأتى جابر منزل علي بن الحسين (عليهما السلام) فطلب محمد بن علي (عليهما السلام)، فقال له (عليه السلام): هو في الكتاب أرسل لك إليه؟ قال: لا ولكني أذهب إليه، فذهب في طلبه، فقال للمعلم: أين محمد بن علي؟ قال له: هو في تلك الرفعة، أرسل لك إليه؟ قال: لا ولكني أذهب إليه، فجاءه فالتزمه وقبل رأسه، وقال:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسلني إليك برسالة أن أقرؤك السلام، قال: عليه وعليك السلام، ثم قال له جابر: بأبي أنت وأمي اضمن لي أنت الشفاعة يوم القيامة، قال:
فعلت ذلك يا جابر " (2).
ومنه: ما رواه أيضا في الكتاب المذكور عن حريز عن أبان بن تغلب " قال: حدثني أبو عبد الله (عليه السلام) قال: إن جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت، وكان يقعد في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو معتم بعمامة سوداء، وكان ينادي: يا باقر العلم، يا باقر العلم،