منتخب الأنوار المضيئة - السيد بهاء الدين النجفي - ج ١ - الصفحة ٧٣
الشيطان منعها فمنعوها، لموضع جهلهم بحقيقة الإمام وما خصه الله تعالى به من الكرامة حتى صار أهلا للإمامة (1)، فخفي عليهم معرفة حقيقته، فوضعوا الحق
١ - روى الصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا: ١ / ١٧١ - ١٧٥ حديثا طويلا في وصف الإمام والإمامة عن الرضا (عليه السلام)، ونحن نورد هنا قطعا منه لمناسبة المقام: أسند (رحمه الله) إلى عبد العزيز بن مسلم قال:
كنا في أيام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو، فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي ومولاي الرضا (عليه السلام) فأعلمته ما خاض الناس فيه.
فتبسم (عليه السلام) ثم قال: يا عبد العزيزجهل القوم وخدعوا عن أديانهم، إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه (صلى الله عليه وآله) حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شئ، بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كملا فقال عز وجل: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) *، وأنزل في حجة الوداع، وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله): * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) *، وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض (صلى الله عليه وآله) حتى بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيله، وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم عليا (عليه السلام) علما وإماما، وما ترك لهم شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينه.
فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز وجل، ومن رد كتاب الله تعالى فهو كافر. هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟
إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم.
إن الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوة والخلة، مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره، فقال عز وجل: * (إني جاعلك للناس إماما) *. فقال الخليل (عليه السلام) سرورا بها:
* (ومن ذريتي) *. قال الله عز وجل: * (لا ينال عهدي الظالمين) *. فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة....
إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء.
إن الإمامة خلافة الله عز وجل وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسين (عليهما السلام).
إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين.
إن الإمامة أس الإسلام النامي، وفرعه السامي.
بالإمام تقام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفئ والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.
الإمام يحلل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة.
الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم، وهي بالأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.
الإمام: البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيد القفار ولجج البحار.
الإمام: الماء العذب على الظماء، والدال على الهدى، والمنجي من الردى، والإمام النار على البقاع الحار لمن اصطلى به، والدليل في المسالك، من فارقه فهالك.
الإمام: السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير، والروضة.
الإمام: الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، ومفزع العباد في الداهية.
الإمام أمين الله في أرضه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله.
الإمام: المطهر من الذنوب، المبرأ من العيوب، مخصوص بالعلم، مرسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين.
الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد له بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفعل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟....
والإمام: عالم لا يجهل، راع لا ينكل، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول، وهو نسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، فالنسب من قريش، والذروة من هاشم، والعترة من آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، والرضا من الله شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عز وجل، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله.
إن الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم في قوله تعالى * (فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) * وقوله عز وجل: * (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) * - الحديث.