هذا الكتاب الذي نقدمه للقراء يعتبر على الرغم من ضالة حجمه من أعظم الكتب التي تعطينا صورة واضحة المعالم لهذا الصراع العنيف الذي كان بين الشيعة وأهل السنة في القرن الخامس الهجري، وهو صراع عقدي يقوم على أساس من الحجج والبراهين وطرح العويص من المشكلات عن الطائفتين، ابتغاء نيل كل طائفة من أختها ما تريد من غلبة وانتصار.
وقد أشرت إلى شئ من مظاهر هذا الصراع العقدي في كتابي (الآداب الإقليمية) (1) عندما تعرضت للحديث عن حالة الحياة الأدبية في الحجاز في الفترة ما بين القرن الرابع والقرن السابع الهجري.
وقد لاحظت أن الغلبة وبعد الصيت كانا للعلويين في أواسط القرن الرابع حين كان العالم الإسلامي إلا القليل جدا منه كان في يد العلويين فكانت مصر في يد الفاطميين وكان العراق وبلاد العجم وخراسان وما جاورهما في يد البويهيين، وكان الشام في يد الحمدانيين، وكان الحجاز نفسه في يد حكام من العلويين.
وناهيك بخطورة هذه الغلبة العلوية وقيمتها التاريخية إذا عرفت أن القرن الرابع الهجري كان يمثل قمة الحضارة الإسلامية في تاريخ الإسلام كما أشار إلى ذلك آدم متز الألماني، وبار تولد الروسي وغيرهما من مؤرخي الحضارات.