وأما صحة وقوع التسهيل حكمة وصلاحيته لذلك الحكم، فتوضيحه على نحو الاختصار:
أنه لو أراد الشارع من نوع المكلفين - مع تمكنهم من امتثال التكاليف الواقعية علما - امتثالها كذلك، لكان مخالفة تلك التكاليف حينئذ أكثر منها على تقدير أمرهم بامتثالها بالطرق والأمارات والأصول، فإن بعضهم وإن لم يكن حاله كذلك، لكن حال أكثرهم كذلك، ضرورة ما نشاهد من صعوبة امتثال تلك التكاليف بالطرق والأمارات ومشقته على أنفسهم بحيث يخالفون مع ذلك كثيرا من التكاليف الثابتة عليهم، فكيف بامتثالها بطريق القطع؟ بل لو أراد منهم الشارع امتثالها بطريق العلم لكان أشق عليهم ذلك، وسببا لمخالفتهم أكثر منها على تقدير امتثالها بالطرق الظاهرية، فإذا كان حالهم كذلك فاللطف يقتضي اختياره لما يكون مخالفته وفوت المصالح الواقعية أقل منهما على تقدير اختياره لأمر آخر مستلزم لأكثر منهما على تقدير اختياره، فلعل هذا الوجه أظهر مما اختاره - دام ظله - من التزام مصلحة في نفس السلوك على طبق الطرق والأصول.
والمصنف - قدس سره - كان في أول زمان تأليف الرسالة مختارا لما اختاره - دام ظله - ثم رجع أخيرا حين قراءتنا عليه مسألة المظنة (1)، واختار ذلك، وضعف ما اختاره أولا: بأنه نوع من التصويب، فإنه إذا كان عنوان السلوك نفسه متضمنا لمصلحة معادلة لمصلحة الواقع على تقدير فوتها، أو مفسدته على تقدير وقوع المكلف فيها - لسلوكه على طبق الطرق والأمارات بحيث يتدارك بها هاتيك المفسدة أو تلك المصلحة - فلا يعقل أن يكون شيء منهما مع اتحاد الفعل المتضمن له مع عنوان السلوك مقتضيا فعليا لما كان يقتضي لو لا اتحاد