فقال الحسين: نعم، إني أزمعت على ذلك في أيامي هذه إن شاء الله ولا قوة إلا بالله.
فقال: ابن عباس أعيذك بالله من ذلك! فإن تصر إلى قوم قد قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم، في مسيرك إليهم لعمري الرشاد والسداد، وإن كانوا إنما دعوك إليهم وأميرهم قاهر لهم وعمالهم يجبون بلادهم، وإنما دعوك إلى الحرب والقتال، وإنك تعلم أنه بلد قد قتل فيه أبوك واغتيل فيه أخوك وقتل فيه ابن عمك وبويع يزيد بن معاوية، وعبيد الله بن زياد في البلد يعطي ويفرض، والناس اليوم إنما هم عبيد الدينار والدرهم، ولا آمن عليك أن تقتل، فاتق الله والزم هذا الحرم.
فقال له الحسين: والله إن أقتل بالعراق أحب إلي من أن أقتل بمكة، وما قضى الله فهو كائن، وأنا مع ذلك أستخير الله وأنظر ما يكون.
ثم بعد ذلك أقبل عبد الله بن عباس إليه فدخل وقال: يا ابن بنت رسول الله! إني قد رأيت رأيين إن قبلت مني!
فقال الحسين: وما ذاك؟ قال: تخرج إلى بلاد اليمن، فإن فيها حصونا وشعابا وهي أرض عريضة طويلة، وإن لك بها شيعة وأنت عن الناس في عزلة، فإذا استوطنت بها اكتب إلى الناس وأعلمهم مكانك.
فقال الحسين: يا ابن عمي! إني لأعلم أنك ناصح شفوق، ولكني أزمعت على المسير إلى العراق، ولابد من ذلك. فأطرق ابن عباس (رحمه الله) ساعة ثم قال: يا ابن بنت رسول الله! إن كنت قد أزمعت ولابد لك من ذلك فلا تسر بنساءك وأولادك فإني خائف عليك أن تقتل كما قتل عثمان بن عفان وأهله وولده ينظرون إليه ولا يقدرون له على حيلة، والله يا ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد أقررت عين ابن الزبير بخروجك عن مكة وتخليتك إياه هذا البلد، وهو اليوم لا ينظر إليه فإذا خرجت نظر إليه الناس