فقال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في أمة محمد، وما ولاك الله في هذا الأمر وخصك، فإنك قد ضيعت أمور المسلمين، وفوضت ذلك إلى غيرك، يحكم فيها بغير حكم الله عز وجل، وقعدت في هذه البلاد، وتركت بيت الهجرة، ومهبط الوحي، وإن المهاجرين والأنصار يظلمون دونك، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه، ويعجز عن نفقته، فلا يجد من يشكو إليه حاله، ولا يصل إليك.
فاتق الله يا أمير المؤمنين في أمور المسلمين، وارجع إلى بيت النبوة ومعدن المهاجرين والأنصار. أما علمت - يا أمير المؤمنين - أن والي المسلمين مثل العمود في وسط الفسطاط، من أراده أخذه.
قال المأمون: يا سيدي، فما ترى؟
قال: أرى أن تخرج من هذه البلاد، وتتحول إلى موضع آبائك وأجدادك، وتنظر في أمور المسلمين، ولا تكلهم إلى غيرك، فإن الله عز وجل سائلك عما ولاك.
فقام المأمون فقال: نعم ما قلت يا سيدي، هذا هو الرأي، فخرج وأمر أن تقدم النوائب (1).
وبلغ ذلك ذا الرئاستين، فغمه غما شديدا، وقد كان غلب على الأمر، ولم يكن للمأمون عنده رأي، فلم يجسر أن يكاشفه، ثم قوي بالرضا (عليه السلام) جدا، فجاء