فقال المأمون: يا سيدي، مرهم أنت بذلك.
قال: فخرج أبو الحسن (عليه السلام) فصاح بالناس: قدموا النوائب.
قال: فكأنما وقعت فيهم النيران، وأقبلت فيهم النوائب تتقدم وتخرج.
وقعد ذو الرياستين في منزله، فبعث إليه المأمون فأتاه، فقال له: ما لك قعدت في بيتك؟
فقال: يا أمير المؤمنين، إن ذنبي عظيم عند أهل بيتك وعند العامة، والناس يلومونني بقتل أخيك المخلوع وبيعة الرضا (عليه السلام)، ولا آمن السعاة والحساد وأهل البغي أن يسعوا بي، فدعني أخلفك بخراسان.
فقال له المأمون: لا نستغني عنك، وأما ما قلت: إنه يسعى بك، وتبغى لك الغوائل، فليس أنت عندنا إلا الثقة المأمون الناصح المشفق، فاكتب لنفسك ما تثق به من الضمان والأمان، وأكد لنفسك ما تكون به مطمئنا.
فذهب وكتب لنفسه كتابا، وجمع عليه العلماء، وأتى به المأمون فقرأه، وأعطاه كل ما أحب، وكتب خطه فيه، وكتب له بخطه كتاب الحبوة (1): إني قد حبوتك بكذا وكذا من الأموال والضياع والسلطان، وبسط له من الدنيا أمله.
فقال ذو الرياستين: يا أمير المؤمنين، يجب أن يكون خط أبي الحسن (عليه السلام) في هذا الأمان، يعطينا ما أعطيت، فإنه ولي عهدك.
فقال المأمون: قد علمت أن أبا الحسن قد شرط علينا أن لا يعمل من ذلك شيئا، ولا يحدث حدثا، ولا نسأله ما يكرهه، فاسأله أنت، فإنه لا يأبى عليك في هذا.