الآيب، وموئل الصادي وكهف الملهوف، ومحطة العابر، ومنتدى أحكام الشريعة. وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد مسجد قبا، وهو بعد كل هذا وذاك قد ضم ترابه أقدس جسد لأشرف مخلوق عرفته الأرض والسماء. ولهذا كله يجد السائل - كل سائل - ضالته فيه ومنهم سائل ابن عمر بن الخطاب المندهش من عدم استطاعة شيخ كبير وعجزه عن إجابة سؤاله، ولابد أنه قد علم أنه ابن خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولذا خصه بالسؤال، ثم يطلب منه إعلامه بالجواب كي لا يبقى جاهلا به فيأتي السائل إلى الباقر (عليه السلام). فيرى الإجابة حاضرة لديه، ثم يعود إلى ابن عمر. ليخبره بما جنى من ثمرات السؤال، فيعلق ابن عمر على ذلك بقوله: إنهم أهل بيت مفهمون.
وأما قول عبد الله بن عطاء المكي: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة - مع جلالته في القوم - بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه (1)، فلما لمس من علو مكانة الإمام ورفيع منزلته بين علماء عصره، وأنه ليس له قرين ولا يدانيه أحد في الفقاهة والمجد، وأنى له من قرين؟!
وجريا على العادة في إلقاء الضوء على بعض معالم الشخصيات العظيمة، لابد وأن ينصب حديثنا - عن الإمام الذي نتناول سيرته بالبحث - في هذا الفصل على إبراز بعض المصاديق مصاديق العلمية في معالم شخصية الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، تبيانا لسموها الشاهق، وتدبرا فيها، من أجل العظة، علها تعيننا على سلوك درب الذين أنعم الله تعالى عليهم، فرفعوا راية الهدى خفاقة على ظهر هذا الكوكب، والباقر منهم في الصميم (2).