السؤال والاستفتاء عن شؤون دينهم كما يقول الراوي فلم يبرح المكان حتى أجاب عن ألف سؤال، ولا نتصور أن الألف سؤال شئ قليل، إنما هذا أمر عظيم يبين لك بالإضافة إلى ما قدمنا، شدة الجدب الفقهي الضارب في أوساط الأمة الإسلامية آنذاك.
ومقطوعة أخرى وليست أخيرة تبين ما ذهبنا إليه، حتى على صعيد الشيعة وأحكامها الدينية بشكل عام، وليس الحج فقط بل شمل الجهل مسائل الحلال والحرام أيضا، ينقلها لنا ثقة المحدثين الشيخ عباس القمي (1)، فلنستمع إليه يقول: كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر (عليه السلام) وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر (عليه السلام) ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس.
كان هذا هو حال الأمة بشكل عام وعلى أي حال فإنه لما لم يكن في العالم الإسلامي في ذلك العصر من هو أدرى بشؤون الشريعة وأحكام الدين غير الإمامين الصادقين (عليهما السلام)، فقد أسرع إلى الأخذ من علومهما أبناء الصحابة والتابعون، ورؤساء المذاهب الإسلامية كأبي حنيفة ومالك وغيرهما، وقد تخرج على يد الإمام أبي جعفر جمهرة كبيرة من الفقهاء - كما مر بك آنفا - كزرارة ومحمد بن مسلم وأبان بن تغلب، وإليهم يرجع الفضل في تدوين أحاديث الإمام (عليه السلام) كما كانوا من مراجع الفتيا بين المسلمين كأبان بن تغلب بن رباح الذي عقد له الإمام الباقر (عليه السلام) منصب الفتيا، فقال له: اجلس في مسجد المدينة وافت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك.
وكان أبان مقدما في كل فن من العلوم ومنها: الفقه والحديث والأدب واللغة والنحو. وقد ألف في ذلك كتبا كثيرة، منها كتاب في تفسير غريب القرآن،