وما أصنع بفدك وغير فدك؟ والنفس مظانها في غد جدث، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها. وحفرة لو زيد في فسحتها، وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر، وسد فرجها التراب المتراكم.
وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة * وحولك أكباد تحن إلى القد!
أ أقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش! فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة، همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها (1)، تكترش من أعلافها، وتلهو عما يراد بها، أو أترك سدى، أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة!...
إليك عني يا دنيا، فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك، وأفلت من حبائلك، واجتنبت الذهاب في مداحضك. أين القرون الذين غررتهم بمداعبك!
أين الأمم الذين فتنتهم بزخارفك! فهاهم رهائن القبور، ومضامين اللحود.
والله لو كنت شخصا مرئيا، وقالبا حسيا، لأقمت عليك حدود الله في عباد