أين هو اليوم؟ فقال (عليه السلام):
«يا نصراني، إن الله تعالى يجل عن الأين، ويتعالى عن المكان، كان فيما لم يزل ولا مكان، وهو اليوم على ذلك لم يتغير من حال إلى حال».
فقال: أجل أحسنت أيها العالم وأوجزت في الجواب، فخبرني عنه تعالى أمدرك بالحواس عندك، فيسلك المسترشد في طلبه استعمال الحواس، أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن الأمر كذلك؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار، أو تدركه الحواس، أو يقاس بالناس، والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول، الدالة ذوي الاعتبار بما هو عنده مشهود ومعقول».
فقال الجاثليق: صدقت، هذا والله الحق الذي قد ضل عنه التائهون في الجهالات، فخبرني الآن عما قاله نبيكم في المسيح، وإنه مخلوق، من أين أثبت له الخلق، ونفى عنه الإلهية، وأوجب فيه النقص؟ وقد عرفت ما يعتقد فيه كثير من المتدينين.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«أثبت له الخلق بالتقدير الذي لزمه، والتصوير والتغيير من حال إلى حال، والزيادة التي لم ينفك منها والنقصان، ولم أنف عنه النبوة، ولا أخرجته من العصمة والكمال والتأييد، وقد جاءنا عن الله تعالى بأنه مثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون».
فقال له الجاثليق: هذا ما لا يطعن فيه الآن، غير أن الحجاج مما تشترك فيه الحجة على الخلق والمحجوج منهم، فبم بنت أيها العالم من الرعية الناقصة عنك؟
قال (عليه السلام):
«بما أخبرتك به من علمي بما كان وما يكون».