وذكر ابن عقبة رحمه الله تعالى أنه صلى الركعتين في موضع مسجد التنعيم. قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، كما في الصحيح (1): (فكان خبيب رضي الله تعالى عنه أول من سن هاتين الركعتين عند القتل) انتهى. ثم قال خبيب: (اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا). قال معاوية بن أبي سفيان: (لقد حضرت مع أبي سفيان، فلقد رأيتني وان أبا سفيان ليضجعني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب). وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه. وقال حويطب بن عبد العزي: وأسلم بعد ذلك: (لقد رأيتني أدخلت إصبعي في أذني وعدوت هاربا فرقا ان اسمع دعاءه)، وكذلك قال جماعة منهم.
فلما صلى الركعتين جعلوه على الخشبة ثم وجهوه إلى المدينة وأوثقوه رباطا، ثم قالوا له: (ارجع عن الاسلام نخل سبيلك). قال: (لا والله ما أحب اني رجعت عن الاسلام وان لي ما في الأرض جميعا). قالوا: (أفتحب ان محمدا في مكانك وأنت جالس في بيتك؟) قال: (لا والله ما أحب ان يشاك محمد شوكة وانا جالس في بيتي). فجعلوا يقولون: (ارجع يا خبيب).
فقال: (لا أرجع أبدا). قالوا: (أما واللات والعزى) لئن لم تفعل لنقتلنك. فقال: (ان قتلي في الله لقليل). ثم قال: (اللهم إني لا أرى الا وجه عدو الله، انه ليس هنا أحد يبلغ رسولك عني السلام، فبلغه أنت عني السلام). فلما رفع على الخشبة استقبل الدعاء. وروى محمد بن عمر عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا في أصحابه فأخذته غمية كما كانت تأخذه فلما نزل عليه الوحي سمعناه يقول: (وعليه السلام ورحمة الله وبركاته). ثم قال: (هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام).
وفي رواية أبي الأسود عن عروة: (فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأخبر أصحابه بذلك). قال ابن عقبة رحمه الله تعالى: فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم وهو جالس:
(وعليك السلام، خبيب قتلته قريش).
ثم دعا المشركون أربعين ولدا ممن قتل آباؤهم ببدر كفارا، فأعطوا كل غلام رمحا وقالوا:
هذا الذي قتل آباءكم، فطعنوه برماحهم طعنا خفيفا فاضطرب على الخشبة، فانقلب فصار وجهه إلى الكعبة، فقال: (الحمد الله الذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه) ثم قتلوه رحمه الله تعالى.
وفي حديث أبي هريرة: (ثم قام إليه أبو سروعة) - واسمه كما في الصحيح في غزوة بدر عن أبي هريرة، وجزم جماعة من أهل النسب انه أبو سروعة أخو عقبة بن الحارث، وأسلم