ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر وأن يأذن له في التخلف ففعل. وخرج ونادى مناديه عزمت لا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاني لن أوتى بأحد أبطأ عن الخروج معه الا ألحقته به ماشيا. فلم يتخلف عن البعث أحد. وخرج أبو بكر يشيع أسامة فركب من الجرف لهلال ربيع الاخر في ثلاثة آلاف فيهم ألف فارس، وسار أبو بكر إلى جنبه ساعة وقال: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاني لست آمرك ولا أنهاك عنه انما أنا منفذ لأمر أمر به (رسول الله صلى الله عليه وسلم) - فخرج سريعا فوطئ بلادا هادية لم يرجعوا عن الاسلام جهينة وغيرها من قضاعة. حتى نزل وادي القرى، فسار إلى أبنى في عشرين ليلة. فقدم له عين له من بني عذرة يدعى حريثا، فانتهى إلى أبنى، ثم عاد فلقي أسامة على ليلتين من أبنى فأخبره ان الناس غارون ولا جموع لهم، وحثهم على السير قبل اجتماعهم. فسار إلى ابني وعبأ أصحابه ثم شن عليهم الغارة فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليهم، وحرق بالنار منازلهم وحرثهم ونخلهم فصارت أعاصير من الدواخين وأجال الخيل في عرصاتهم، وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم. وكان أسامة على فر س أبيه سبحة وقتل قاتل أبيه في الغارة، وأسهم للفرس سهمين وللفارس سهما وأخذ لنفسه مثل ذلك.
فلما أمسى أمر الناس بالرحيل ثم أغذ السير فورد وادي القرى في تسع ليال ثم بعث بشيرا إلى المدينة بسلامتهم ثم قصد بعد في السير فسار إلى المدينة ستا حتى رجع إلى المدينة ولم يصب أحد من المسلمين. وخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سرورا بسلامتهم، ودخل على فرس أبيه سبحة واللواء أمامه يحمله بريدة بن الحصيب حتى انتهى إلى باب المسجد فدخل فصلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته. وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع أسامة فبعث رابطة يكونون بالبلقاء فلم تزل هناك حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
تنبيهان الأول: ذكر محمد بن عمر، وابن سعد ان أبا بكر رضي الله عنه كان ممن أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم - بالخروج مع أسامة إلى أبنى، وجرى عليه في المورد وجزم به في العيون، والإشارة، والفتح في مناقب زيد بن حارثة. وأنكر ذلك الحافظ أبو العباس بن تيمية فقال في كتابه الذي رد فيه على ابن المطهر الرافضي: (لم ينقل أحد من أهل العلم ان النبي صلى الله عليه وسلم - أرسل أبا بكر وعثمان في جيش أسامة، فقد استخلفه يصلي بالمسلمين مدة مرضه إلى أن مات وكيف يتصور ان يأمره بالخروج في الغزاة وهو يأمره بالصلاة بالناس؟) وبسط الكلام على