رجلي فمسها فكأنها لم أشتكيها قط. هذا ما ذكره البخاري في الصحيح من حديث البراء بن عازب، وصرح فيه بأن عبد الله بن عتيك انفرد بقتله.
وذكر ابن عقبة وابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وغيرهم خلاف ذلك، أدخلت حديث بعضهم في بعض، قالوا: إن عبد الله بن عتيك وأصحابه قدموا خيبر ليلا حين نام أهلها، وأتوا دار ابن أبي الحقيق فلم يدعوا بيتا في الدار الا أغلقوه على أهله (وكان في علية له فأسندوا فيها) حتى قاموا على بابه فاستأذنوا عليه. قال ابن سعد: وقدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية - وكانت أمه يهودية أرضعته بخيبر - فخرجت إليهم امرأته فقالت: من أنتم؟ فقالوا: ناس من العرب نلتمس الميرة - وفي لفظ: فقال عبد الله بن عتيك ورطن باليهودية: جئت أبا رافع بهدية - ففتحت لهم وقالت: ذاكم صاحبكم. فأدخلوا عليه. قال: فما دخلنا أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوفا أن تكون دونه مجادلة تحول بيننا وبينه. قالت:
فصاحت امرأته فنوهت بنا.
ولفظ ابن سعد: (فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشاروا إليها بالسيف فسكتت) وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل الا بياضه كأنه قبطية ملقاة. قال: ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل. قال: فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس (بسيفه) في بطنه حتى أنفذه وهو يقول: قطني قطني، أي حسبي حسبي.
قال: وخرجنا، وكان عبد الله بن عتيك رجلا سئ البصر، فوقع من الدرجة فوثئت يد ه وثئا شديدا - ويقال رجله فيما قال ابن هشام - وحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم فندخل فيه. وصاحت امرأته فتصايح أهل الدار بعد قتله، فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبوننا.
وعند ابن سعد أن (الحارث أبا زينب اليهودية التي سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في آثار الصحابة في ثلاثة آلاف يطلبونهم بالنيران فلم يروهم فرجعوا، ومكث القوم في مكانهم يومين حتى سكن الطلب. ثم خرجوا مقبلين إلى المدينة). فلما أيس اليهود رجعوا إلى صا حبهم فاكتنفوه وهو يفيض بينهم.
قال عبد الله بن أنيس: فقلنا كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات؟ فقال رجل منا - قال محمد بن عمر: هو الأسود بن خزاعي - أنا أذهب فانظر لكم. قال: فانطلق حتى دخل في الناس. قال: فوجدت امرأته ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول: (أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي وقلت: أنى ابن عتيك بهذه البلاد)؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه وتحدثهم ثم قالت: (فاظ واله يهود). فما سمعت كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها.