وروى مسلم عن بريدة بن الحصيب (1) رضي الله تعالى عنه قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمان غزوات قال النووي: لعل بريدة أسقط غزوة الفتح ويكون مذهبه أنها فتحت صلحا - كما قال الشافعي وموافقوه - قلت: والتوجيه السابق أقعد. قال الحافظ أبو العباس الحراني رحمه الله في الرد على ابن المطهر الرافض: لا يفهم من قولهم أنه صلى الله عليه وسلم قاتل في كذا وكذا أنه قاتل بنفسه كما فهمه بعض الطلبة ممن لا اطلاع له على أحواله صلى الله عليه وسلم، ولا يعلم أنه قاتل بنفسه في غزوة إلا في أحد فقط. قال: ولا يعلم أنه ضرب أحدا بيده إلا أبي بن خلف؟ ضربه بحربة في يده. انتهى.
قلت: وعلى ما ذكره يكون المراد بقولهم: قاتل في كذا وكذا أنه صلى الله عليه وسلم وقع بينه وبين عدوه في هذه الغزوات قتال قاتلت فيها جيوشه بحضرته صلى الله عليه وسلم، بخلاف بقية الغزوات، فإنه لم يقع فيها قتال أصلا، لكن نقل الحافظ في الفتح عن ابن عقبة أنه قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان غزوات، وراجعت نسخة صحيحة في مغازي ابن عقبة ونصه: ذكر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها، قاتل في بدر إلى آخر ما ذكره ثم قال: وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة لم يكن فيها قتال. انتهى.
ولم يذكر فيها أنه صلى الله عليه وسلم قاتل بنفسه، فكأنها في بعض النسخ. وسيأتي في غزوة أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بقوسه حتى صارت شظايا، وأنه أعطى ابنته فاطمة رضي الله عنها يوم أحد سيفه فقال: اغسلي دمه عنه، وفي حديث... كنا إذا التقينا، كتبية أو جيشا، أول من يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه...
والغزوات الكبار الأمهات سبع: بدر، وأحد، والخندق، وخيبر، والفتح، وحنين، وتبوك.
وفي شأن هذه الغزوات نزل القرآن، ففي بدر كثير من سورة الأنفال، وفي أحد آخر آل عمران من قوله تعالى: * (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال) * [آل عمران 121] إلى قبيل آخرها بيسير. وفي قصة الخندق وقريظة صدر سورة الأحزاب، وفي بني النضير سورة الحشر. وفي قصة الحديبية وخيبر سورة الفتح، وأشير فيها إلى الفتح، وذكر الفتح في سورة النصر، وتبوك في سورة براءة. وجرح منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فقط، وقاتلت معه الملائكة منها في بدر وحنين وأحد على خلاف في الثالثة يأتي تحقيقه في غزوتها. ونزلت الملائكة يوم الخندق فزلزلوا المشركين وهزموهم. ورمى بالحصباء في وجوه المشركين