أعطني، إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا، فقال: " خذ ". فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال: مر بعضهم يرفعه إلي، قال: " لا:، قال: فارفعه أنت علي، قال: " لا "، فنثر منه، ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال: مر بعضهم يرفعه إلي. قال: " لا "، قال: فارفعه أنت علي، قال: " لا "، فنثر منه، ثم احتمله على كاهله، ثم انطلق وهو يقول: إنما آخذ ما وعد الله، فقد أنجز، فما زال يتبعه بصره حتى خفي علينا، عجبا من حرصه، فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم (1).
ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من الأسارى يوم بدر من قريش بغير فداء. منهم: أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي، وكان محتاجا ذا عيال، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد عرفت مالي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال فامنن علي، فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عليه ألا يظاهر عليه أحدا، فقال أبو عزة في ذلك يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر فضله في قومه:
من مبلغ عني الرسول محمدا * بأنك حق والمليك حميد وأنت امرؤ تدعو إلى الحق والهدى * عليك من الله العظيم شهيد وأنت امرؤ بوئت فينا مباءة * لها درجات سهلة وصعود فإنك من قاربته لمحارب * شقي ومن سالمته لسعيد ولكن إذا ذكرت بدرا وأهله * تأوب ما بي حسرة وقعود وذكر ابن عقبة أن المسلمين جهدوا على أبي عزة هذا أن يسلم عندما أسر ببدر، فقال:
لا حتى أضرب في الخزرجية يوما إلى الليل.
قال أبو الربيع: وما وقع في شعره ومحاورته رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أعلم له مخرجا إن صح، إلا أن يكون ذلك من جملة ما قصد به أبو عزة أن يخدع به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاد على عدو الله ما قصد، ولم يخدع إلا نفسه وما شعر، وسيأتي بيان ذلك في غزوة حمراء الأسد، بعد أحد.
ومنهم: وهب بن عمير بن وهب الجمحي، قدم أبوه عمير في فدائه، وحاول الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، لاتفاقه مع صفوان بن أمية على ذلك فأظهر الله تعالى رسوله عليه فأعلمه به، فكان ذلك سببه إسلامه، كما سيأتي ذلك في المعجزات، إن شاء الله تعالى.